صبيحة يوم جديد ليس كبقية الأيام على مدينة نابولي، أعلام فريق المدينة زيّنت الشوارع والميادين ، الجميع يتحدث عن معركة سان باولو التي ستنطلق بعد سويعات قليلة بقلوب ملأها الحقد وعيون لمعت فيها شرارة الغضب. الجنوبيون يتحرّقون شوقا ليمضي النهار في غمضة عين ، فالليل سيجلب معه أهم مباراة في الموسم ، مواجهة بذكريات حرب سقطت على إثرها مدينتهم في القاع ووثب غُزاتها إلى القمم ، اللقاء المنتظر أمام ألد الأعداء وأبغض الخصوم .. يوفنتوس. وعند مرورك بالشوارع المؤدية للملعب ستلاحظ ترقب الوجوه وتسمع زئير الحناجر ، وحينها ستدرك على الفور أن الصراع أكبر من مجرد فريقين يتنافسان على الظفر بثلاث نقاط في إحدى جولات الكالتشيو ، إنها أشبه بحرب بين شمال إيطاليا وجنوبها. "سياسة وكورة" سلسلة يقدمها FilGoal.com عن أبرز الأحداث والمناسبات الكروية التي شهدت تدخلات سياسية. وستسلط الحلقة الرابعة من السلسلة الضوء على تأثير السياسة في إشعال فتيل الكراهية والعداوة بين جماهير يوفنتوس ونابولي. تاريخ الصراع السياسي بين "تورينو" و"نابولي" مضى قرابة ال150 عاما ، لكن جماهير نابولي لا يمكن أن تنسى ما حدث من أبناء الشمال الإيطالي الذين احتلوا مدينتهم وعاثوا فيها فسادا ، لتتحول من ثالث أقوى المدن الاقتصادية في أوروبا إلى مدينةٍ مزرية تفوح من شوارعها روائح القمامة. مملكة الصقلتين كان اسم مملكة الجنوب الإيطالي التي كانت تتكون من مدينتي صقلية ونابولي العاصمة ، وكانت قوية وغنية وحصل اقتصادها على المركز الثالث أوروبيا بعد بريطانيا و فرنسا. (شعار الصقلتين) الأحوال المزدهرة في الجنوب قابلها فقر وبؤس في الشمال ، وتحديدا في مملكة "بيمونتي" وعاصمتها تورينو –مدينة يوفنتوس- ، لكن الشماليين لم يرضوا بحالهم وفكروا في السطو على موارد الجنوب ، فاتفقوا مع بريطانياوفرنسا على شن حروب وحملات عسكرية على "الصقلتين" ، مما أدى إلى سقوط مدنها بالإضافة إلى ما يقرب من مليون ضحية. ومع إعلان وحدة إيطاليا عام 1861 ، أصبح الشمال أكثر أهمية سياسيا واقتصاديا ، وتم اختيار تورينو عاصمة لإيطاليا الموحدة ، بينما تفشّت البطالة و الجرائم في الجنوب وأصبح الفقر هو العنوان الرئيسي لمدينة نابولي. وبالتأكيد إن ما حدث في الماضي يلقي بظلاله على كرة القدم ، فجماهير نابولي تعتبر يوفنتوس هو العدو الأول لها ، حتى أن صحيفة لاجازيتا ديللو سبورت ذائعة الصيت في إيطاليا أجرت إحصائية لمعرفة علاقة جماهير "الكالتشيو" ببعضهم البعض ، وأشارت النتائج إلى أن أكبر نسبة كراهية هي تلك التي بين جماهير نابولي جنوبا وعشاق السيدة العجوز في الشمال. ماذا يحدث حينما تتواجه جماهير الفريقين؟ التعصب الإقليمي .. ذكريات الماضي مازالت عالقة في الأذهان حينما سُئل صانع ألعاب فريق نابولي السلوفاكي ماريك هامسيك عن طبيعة مباريات فريقه أمام يوفنتوس أجاب :"إنها أشبه بالحرب" ، وبالفعل فإن جماهير الفريقين لا تمل ولا تكل من تبادل الإهانات والاتهامات. مشجعو نابولي يعتبرون أنفسهم السكان الأصليين للدولة الإيطالية ، وأن الجنوب الإيطالي ما هو إلا دولة منفصلة بذاتها ، والشماليين هم غزاة احتلوا إيطاليا خلال القرون الماضية. وخلال مباراة الفريقين في ذهاب موسم 2010-2011 على ملعب سان باولو في إطار مباريات الجولة 19 من الكالتشيو ، رفع أولتراس نابولي رسالتين للترحيب بفريق مدينة تورينو -بمناسبة احتفالات إيطاليا بالذكرى ال150 على وحدتها- كُتب فيهما :" أيّها البييمونتيّ النصف الفرنسي، كنت غارقا في الديون والنفقات وأصبحت رجلا عبر سرقة أموال نابولي" ، "نحن عاصمة الفخر ، وأنتم عاصمة الصعوبات". ومن المؤكد أن المتعصبين المنتمين للفريق الجنوبي يشعرون بالظلم بسبب ما حدث في الماضي ، ويؤمنون بأن إيطاليا الحديثة أصبحت قوية على أنقاض مدينتهم المنهوبة ، لذلك ستجدهم يتفاخرون بانتمائهم لنابولي أكثر من أصولهم الإيطالية. أما نظراؤهم في الشمال فيعتبرون أن مدينة نابولي ليست جزءا من إيطاليا ، فلا تتعجب إذا رأيت لافتات "Napoli Is Not Italy" في مدرجات "يوفنتوس أرينا" الجنوبية. وكلما ارتحل لاعبو الفريق السماوي إلى مدينة تورينو لملاقاة عملاقها ، لن تخطئ أبصارهم عبارة "مرحبا بكم في إيطاليا" التي يصر جمهور اليوفي على كتابتها في كل مباراة تجمعهم بنابولي ، لكي يُشعروا خصمهم بالدونية والتهميش وأنه لا ينتمي إلى حيث ينتمون. أكياس القمامة .. حلقة أخرى من مسلسل الكراهية خلال عام 2008 غرقت مدينة نابولي -التي يقطنها حوالي مليون شخص- في القمامة بسبب عدم توفر أماكن في مكبات النفايات. وكالة الأنباء الإيطالية أعلنت وقتذاك أن كمية الفضلات في المدينة تقدر ب5200 طن ، مما جعل شوارع المدينة تتكدس بالنفايات وتم إغلاق المدارس ، بل ووصل الأمر إلى نشوب اشتباكات بن المتظاهرين الرافضين لهذا الوضع وقوات الشرطة. جماهير يوفنتوس رفعت أكياس القمامة خلال إحدى لقاءات الفريقين مع كتابة :"هذه سقطت من حافلتكم" ، كما ظهرت عبارة " نابولي .. كوليرا" خلال مباراة ذهاب دور ال16 بين يوفنتوس و دورتموند من النسخة الماضية لدوري أبطال أوروبا. واستخدم الجنوبيون أكياس القمامة أيضا للرد عليهم لكن هذه المرة زيّنوه باللونين الأبيض والأسود ووضعوه في المتاجر. بركان "فيزوف" .. النار التي لا تنطفئ بركان فيزوف هو بركان ثائر يقع شرقي مدينة نابولي ، كانت أول ثورة له عام 79 قبل الميلاد ، واستمرت لمدة 16 عاما ، ثم عاد ليثور مرة أخرى عام 1631 م ، دمّر مدينتي بومبي و هيركولنيوم الواقعتين في مقاطعة نابولي ، وأباد أكثر من 18 ألف نسمة. وإذا حضرت أي مباراة للبيانكونيري في ملعبه فإنك ستلاحظ بلا شك هتافات ولافتات جماهيره التي تدعو فيها "فيزوف" إلى الانفجار مرة أخرى وغسل مدينة نابولي بحممه للتخلص من "النابوليتانو". هذه السلوكيات العنصرية لا تمر مرور الكرام عند الاتحاد الإيطالي ، فقد عوقب جمهور يوفنتوس مرارا وتكرارا بسبب أفعاله التي تضمنت "تمييزا إقليمي" ، وأقرت لجنة الانضباط بالاتحاد حرمان أولتراس اليوفي من حضور مباراتين لفريقه عن طريق إغلاق مدرج "الكورفا سود" بعد هتافاتهم العنصرية خلال مباراة يوفنتوس ونابولي خلال الجولة 12 من الدوري لموسم 2013-2014.