أعجبني حسن شحاتة في إدارته لمباراة مصر والسودان الأخيرة ، ليس لأن الفريق فاز بالستة ، ولكن لأنه اعترف بأخطائه قبل أن يخرج من أرض الملعب ، وأثبت بذلك أنه لا يخدع نفسه كما كان يفعل آخرون ، ولا يجامل لاعبيه ، ويعرف كيف "يقرص" آذانهم إذا تراخوا واستهتروا. سيقول البعض إن حسن شحاتة "جامل" حازم إمام بإشراكه في المباراة وهو غير مكتمل الشفاء ، وسيقول آخرون إنه جامل أبو تريكة وبركات لأنه أبقى عليهما في المباراة أطول من اللازم رغم تواضع مستواهما ، وسيقول حزب ثالث إنه جامل زيدان بإشراكه في المباراة وهو لم يتجانس بعد مع باقي زملائه .. وهذا الكلام مردود عليه بما يلي : أولا : حسن شحاتة بدأ المباراة بأفضل تشكيل عنده وبأفضل مقعد بدلاء متاح أمامه بالفعل. ثانيا : المنتخب بدأ المباراة بمنتهى القوة والجدية والحماس ، وأظهر اللاعبون منذ الدقيقة الأولى رغبتهم ليس فقط في الفوز وإنما في الفوز بعدد كبير من الأهداف ، وقد حدث بالفعل. ثالثا : لم يلجأ شحاتة للابتزاز الرخيص الذي يلجأ إليه بعض المدربين الآخرين للأسف عندما ألغى الحكم الزيمبابوي "البدين" ركلة جزاء صحيحة 100% لعمرو زكي ، الذي حصل على إنذار بداعي "التمثيل" وسط ذهول الجميع ، لأن مدربين آخرين في هذا الموقف كانوا سيعترضون على الحكم وسينزلون إلى أرض الملعب للاحتجاج وتنفلت أعصابهم وتنعكس عصبيتهم على اللاعبين ليشعروا هم أيضا بالظلم ، إلى أن "يخرجوا من المباراة" ، بلغة الكرة. رابعا : الضربات الثابتة هي التي توضح ما إذا كان الفريق يقوده مدرب محترم أو مجرد مدرس ألعاب ، ورأينا في هذه المباراة ، وفي مباريات ودية قبلها ، كيف كانت الضربات الثابتة من الجانبين من تنفيذ بركات أو طارق السيد ، أشبه بركلات الترجيح في خطورتها ، سواء من ناحية اللاعب الذي يسدد الركلة ، أو من ناحية تحركات اللاعبين داخل منطقة الجزاء ، أو من خلال نسبة التهديف من هذه الكرات.
"صدقوني .. لسنا أقل من كوت ديفوار لكي نفوز عليها في ملعبها ، ومن شاهد مباراة ليبيا الأخيرة يدرك هذا" خامسا : المدرب الجيد أيضا هو الذي يستطيع "توصيل" لاعبيه إلى المرمى ، فهذا هو ما يطلق عليه مصطلح "شغل المدرب" أو الجمل التكتيكية من ثنائيات و"هات وخد" و"أوفر لاب" على الأجناب وغيرها ، وهذا ما وضح في شوط المباراة الأول ، وفي بعض فترات الشوط الثاني ، ولكن الفارق بين الشوطين هو أن الوصول إلى المرمى كان إيجابيا في الشوط الأول بفضل جدية اللاعبين وجماعيتهم ، وفي الشوط الثاني كان الوصول إلى المرمى كثيرا ، ولكن نسبة التهديف كانت منخفضة ، وهذه هي مشكلة اللاعبين وليست مشكلة مدرب ، ولهذا السبب ، صرح شحاتة بعد المباراة بأن تراجع الأداء في الشوط الثاني ليس مسئوليته ولكن مسئولية اللاعبين الذين تهاونوا ولعبوا بأنفسهم. سادسا : بالنسبة لحازم إمام ، أعتقد بأنه كان ينبغي على حسن شحاتة بالفعل إشراكه في المباراة لأنه كان في طريقه بالفعل لاستعادة مستواه ، وكان واضحا أن شحاتة علم من الجهاز الطبي للفريق ومن اللاعب نفسه أنه - أي حازم - قادر على تقديم ربع ساعة فقط بشرط ضمان نتيجة المباراة ، وهذا هو ما فعله شحاتة بالفعل ، نعم ، هو كان يعلم أن حازم غير مكتمل اللياقة ، ولكنه كان يتعين عليه تجربته ، لأن ظروف المباراة ونتيجتها كانت تسمح بذلك ، وإلا لبقي اللاعب خارج الفورمة إلى ما بعد مباراة كوت ديفوار ، والحظ السيء هو الذي جعل حازم يشكو من العضلة الضامة في نهاية المباراة ، لأن المباراة "سخنت" بالفعل في آخرها "على الفاضي" بسبب بعض الهجمات السودانية وبسبب تراخي مهاجمينا في إنهاء الفرص السهلة. سابعا : بنفس المنطق احتفظ شحاتة بأبو تريكة وبركات رغم تواضع مستواهما ، والسبب في ذلك أنه مدرب "نجم" وكان لاعبا نجما ويعرف جيدا معنى أن يكون اثنان من أفضل لاعبيه "بعيدا عن فورمتهما" ثم يخرجهما ، ففي هذه الحالة سيخسر المدرب اللاعبين معنويا ، لأنه سيفقدهما الثقة في نفسيهما لفترة قادمة أخرى قد تطول ، ولهذا أبقى عليهما لأطول فترة ممكنة ، خاصة وكما قلنا أن النتيجة المريحة جعلت الموضوع "مس مستاهل". ثامنا : بالنسبة لمحمد زيدان ، من يتابع مباريات بريمن في الدوري الألماني يكاد يقتنع تماما بأن هذا اللاعب هو من أكثر لاعبي الكرة المصريين موهبة في الفترة الحالية ، ولكننا نعرف أن الإصابة أبعدته طويلا عن مباريات فريقه ، ولهذا فإنه كان في حاجة إلى المشاركة بكثرة في المباريات بصفة عامة ، وفي مباريات منتخب مصر بصفة خاصة ، وذلك حتى يتجانس مع باقي زملائه بسرعة ، خاصة وأن المرة الأخيرة التي لعب فيها زيدان بفانلة منتخب مصر كانت مع الفريق الأوليمبي! ولكن ، كم أنا سعيد بعدم نجاح زيدان في تسجيل أهداف في مهرجان الأهداف السوداني ، وذلك حتى أرى على وجهه "تكشيرة" الألم والحسرة هذه التي رأيناها عليه عندما أهدر هدفا لا يضيع من انفراد تام ، وذلك حتى يعرف أن