بوجوتا، (إفي): تصدرت الاحتجاجات الشعبية في البرازيل، التي تستعد لاستضافة مونديال العالم الصيف المقبل، وفوز ميشيل باشليه بانتخابات الرئاسة في تشيلي لتصبح أول امرأة لاتينية يعاد انتخابها، ومفاوضات السلام في كولومبيا التي تعاني من ويلات النزاع المسلح لنصف قرن مع جماعة (فارك) المتمردة، أبرز الأحداث السياسية في أمريكا اللاتينية عام 2013. فقد هزت الاحتجاجات البرازيل هذا العام لتجبر الحكومة والبرلمان على تعديل خططهما لتلبية مطالب ملايين البرازيليين الذين خرجوا للشوارع في مظاهرات للمطالبة بتحسين الخدمات العامة. بدأت الاحتجاجات يوم 10 يونيو في ساو باولو والمدن الكبرى احتجاجا على رفع قيمة تذكرة النقل العام 20 سنت من الريال (9 سنت من الدولار)، قبل أيام من انطلاق بطولة كأس القارات لكرة القدم، وهو القرار الذي تم إلغائه في نهاية الأمر. لكن وبعد أيام قليلة امتدت الاحتجاجات إلى مئات المدن ووصلت إلى درجة حشد 1.3 مليون شخص في يوم واحد، لتخرج وتؤكد في لافتات أن "الأمر لا يتعلق فقط بعشرة سنتات" وأن مطالبهم اتسعت لتشمل ضرورة تحسين الخدمات العامة، وبالأخص الصحة والتعليم والنقل، بالإضافة لاتخاذ اجراءات لمكافحة الفساد والتصدي لإهدار الموارد العامة في أحداث مثل مونديال 2014. وقال رئيس المركز البرازيلي للدراسات اللاتينية والمتخصص في علم النفس، جورجي فيرتاين ل(إفي) "الأمر له علاقة بالاحباط وعدم الرضا الذي ووجه بالقمع من قبل السلطات... مجموعة من العناصر التي جعلت حشدا كبيرا من المواطنين يخرج للمطالبة بشكل عفوي ومفاجيء بتحسين الخدمات العامة". ولم تكن الحكومة البرازيلية تتوقع هذه الاحتجاجات المفاجأة، حيث ينفرد البلد الأكبر في أمريكا اللاتينية ببرامجه السباقة لمكافحة الفقر. وتطور الأمر ليصل إلى حد انتقاد السياسيين خلال المظاهرات، بعدما رفع المحتجون شعارات "إنهم لا يمثلوننا"، لتتدخل الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف وتؤكد ان بفضل السياسة المطبقة منذ عقد في البلاد، نجحنا في الخروج ب36 مليون برازيلي من خط الفقر، ووصول 40 مليون للطبقة المتوسطة. وبحسب روسيف، فإن هذه الطبقة المتوسطة الجديدة، تركت الحديث عن مطالب الحصول على وظائف واجراءات لمكافحة الفقر، لتصبح لها أولوية جديدة الآن، مثل تحسين خدمات الصحة والاقتصاد. وذكرت في مقابلة مع صحيفة (الباييس) الإسبانية "المظاهرات أظهرت أن الخروج من الفقر هو بداية لمطالب أخرى". ولبت الحكومات الإقليمية المطالب مثل خفض أسعار تذاكر وسائل النقل العام، بينما تأخرت الرئيسة بعض الوقت لرد الفعل. وعقب اجتماعها مع الحكام الإقليميين وعمد أكبر المدن ومسئولي البرلمان، أعلنت روسيف عن خمس اتفاقيات وطنية لتلبية المطالب الشعبية، تتعلق بالصحة والتعليم والإصلاح السياسي والانتخابي والنقل. ورغم بطء مناقشة الاصلاحات السياسية، فقد اضطر البرلمان للتصديق على قوانين الشفافية ومحاربة الفساد، وذلك تحت ضغط من جانب المتظاهرين. أما في تشيلي فقد مثّل انتصار ميشيل باشليه بالانتخابات الرئاسية نهاية لحقبة اليمين بعد أربعة أعوام من حكم سباستيان بنييرا، الذي شهده عهده نموا اقتصاديا. وعادت باشليه، التي أعلنت استقالتها من منصبها بالأمم المتحدة كممثلة للمرأة، للترشح للانتخابات، لتفوز بالمنصب من جديد، بعدما سبق وتولته من قبل في الفترة من 2006 وحتى 2010 ، على حساب منافستها المرشحة الرسمية إيفيلن ماتيه. وأصبحت باشليه أول سيدة يعاد انتخابها لتولى منصب الرئاسة في أمريكا اللاتينية ووعدت في برنامجها بمرحلة سياسية واجتماعية جديدة لتشيلي، من خلال دستور جديد وإصلاح تعليمي وآخر خاص بالضرائب. وفشلت حكومة بنييرا، الذي أصبح في 2010 أول رئيس يميني ينتخب بشكل ديمقراطي منذ نصف قرن، في استغلال النمو الاقتصادي البارز لصالحها. وخلال فترة حكمه التي امتدت لثلاثة أعوام نما الاقتصادي التشيلي بمتوسط 5.8%، وسينهي هذا العام على ارتفاع بواقع 4.2% رغم الركود الذي بدأ يصيب الدول الناشئة. كما زاد الاستثمار بواقع 20% وخلق 860 ألف وظيفة جديدة وزاد متوسط دخل الفرد من 14.992 دولار إلى 19.104 دولار. وفي كولومبيا شغلت المفاوضات بين حكومة بوجوتا وجماعة القوات المسلحة الثورية (فارك) أكبر الجماعات المتمردة في البلاد، الرأي العام هذا العام، بالإضافة لإعلان الرئيس خوان مانويل سانتوس نيته إعادة ترشيح نفسه في انتخابات 2014. وتابع الكولومبيون طوال العام باهتمام بالغ تطور المفاوضات التي استضافتها العاصمة الكوبية هافانا بين الحكومة و(فارك)، واستعدت مختلف الأحزاب السياسية لاحتمال مشاركة الجماعة المتمردة في الانتخابات التشريعية المزمع عقدها في 9 مارس/آذار 2014 والرئاسية في 25 مايو. وخلال عام كامل من المفاوضات توصل الطرفان لاتفاقين من أصل ست نقاط تتضمنها أجندة الأعمال، الأول خاص بملكية الأراضي والتنمية الزراعية، والآخر حول المشاركة السياسية، وذلك بعد محادثات مضنية بين الحكومة وفارك ناقشا فيها قضايا شائكة مثل الاتجار غير الشرعي بالمخدرات. وقال الرئيس في رسالة للشعب أوائل نوفمبر/تشرين ثان الماضي "تتخيلون كولومبيا دون نزاع أو دون نبات الكوكا؟ نعم يمكن أن نتخيل هذا البلد الرائع بهذا الشكل، ونحو هذا الهدف نتجه". كما أعربت الحكومة أيضا هذا العام عن استعدادها لبدء مفاوضات مماثلة مع جيش التحرير الوطني، ثاني أكبر الجماعات المتمردة في البلاد، والذي أفرج عن العديد من الرهائن خلال الأشهر الماضية، لتمهيد الطريق نحو الحوار. ويعد سانتوس، رغم إصراره الدائم على أنه لا أحد قام بتوجيه ضربات عسكرية قاسية ل(فارك) مثله أولا عندما كان وزيرا للدفاع في الحكومة السابقة وثانيا عندما أصبح رئيسا للبلاد، من أشد المدافعين عن محادثات السلام بتأكيده على أن كولومبيا لا يمكن أن تواصل نزاعا مسلحا استمر حتى الآن نصف قرن. وأكد سانتوس في 20 نوفمبر الماضي، أي بعد يوم واحد على ذكرى مرور عام على المفاوضات مع (فارك)، نيته الترشح مرة ثانية للانتخابات الرئاسية لحكم البلاد حتى أغسطس 2018. وقال في هذا الشأن "أنوي الترشح مرة ثانية للانتخابات لأنني مقتنع بأننا حققنا تقدما بالشكل الكافي، ولأنه أخيرا يمكننا تحقيق الازدهار والسلام الذي يستحقه كل الكولومبيين". وتمنح استطلاعات الرأي الصدارة للرئيس سانتوس في الانتخابات المزمع عقدها منتصف العام المقبل، لكن بعد خوض جولة اعادة. إلا أن قطاعا هاما يعتبر التوصل لاتفاق مع (فارك) منحهم حصانة ضد جرائمهم، ويجتمع هذا القطاع حول التشكيل الحزبي الجديد للرئيس السابق ألبارو أوريبي (2002-2010). كما شن أوريبي نفسه، الذي يترأس قوائم الحزب الجديد في الانتخابات البرلمانية، هجوما شرسا على سانتوس والمفاوضات مع (فارك)، وقد يصبح العائق الأكبر أمام الرئيس الحالي لاستئناف تلك المفاوضات، إذا ما حصد على عدد لا بأس به من المقاعد في الانتخابات البرلمانية في الربيع القادم.