دارت عجلة الأحداث سريعا هذه المرة ، واستسلم اتحاد الكرة المصري للجماهير الثائرة التي طالبت برأس تارديللي على طبق من البيتزا الإيطالية ، وبالفعل رحل السائح الإيطالي من البوابة الليبية ، دون أن يعرف الكثير عن مصر ، لكنه ترك خلفه تساؤلا ملحا : "ماذا بعد تارديللي"؟ وحقيقة ، فإنني كنت معارضا لتارديللي منذ البداية ، ومنذ أن رفض اتحاد الكرة السيرة الذاتية للعديد من المدربين الأوروبيين البارزين مدعيا أن "طموحاته تتخطى السيرة الذاتية لهؤلاء المدربين"! ، كنت موقنا من أنه لن يحقق نجاحا مع المنتخب الوطني ، لأنني أعلم جيدا ما هي طموحات السادة المسئولين عن اللعبة الشعبية الأولى في مصر. مشكلة اتحاد الكرة أنه يحاول إرضاء جميع أطراف اللعبة من صحفيين ولاعبين وجماهير ونقاد ، وبعد أن هاجم الجميع محسن صالح عقب النتائج المخيبة في كأس الأمم الأخيرة بسبب ضعف شخصيته في التعامل مع النجوم ، انصب التفكير على اختيار مدرب قوي الشخصية "يصرخ له صرخة .. السبع يبقى فرخة" ، وهو ما انطبق على تارديللي. ولا أنكر أن تارديللي يمتلك شخصية قوية للغاية ، إلا أنه لا يملك سواها ، فلم أر أي جمل تكتيكية خلال مباريات المنتخب الوطني في عهده ، حتى أنني أتذكر ما قاله شوبير واللاعبون المصريون أثناء حفل "في الجول" الأخير عن مباراة الكاميرون التي فزنا بها ، وإشارتهم إلى أن الفريق لم يلعب كرة عرضية واحدة من الجناحين طوال المباراة ، والأهداف الثلاثة لم تأت من هجمات منظمة. لكنني لا أرغب في إضاعة المقال في الحديث فقط عن تارديللي ، فسواء كان رحيله مكسبا للكرة المصرية أو خسارة ، فقد ولى عصره وانتهى ، وبقي لنا أن نعرف ماذا بعد تارديللي ، خاصة وأن هذا هو الوقت الأنسب لبدء الاستعداد لنهائيات كأس الأمم الأفريقية التي ستقام في مصر بعد أقل من عام ونصف.
"فسواء كان رحيله مكسبا للكرة المصرية أو خسارة ، فقد ولى عصره وانتهى ، وبقي لنا أن نعرف ماذا بعد تارديللي". ومن الآن ، وحتى لا يقول أحد أنني أرحب بالجوهري أو حسن شحاتة أو غيرهما من المدربين المصريين المشهود بهم بالكفاءة ، فأنا أرفض تماما أن يتولى أي مدرب مصري تدريب المنتخب في المرحلة القادمة لعدة أسباب أهمها أنه سيتأثر حتما بالجو الإعلامي العدائي المعتاد ، كما أنه لن ينجو من الاتهامات بالتحيز للأهلي أو الزمالك حسب انتمائه ، بالإضافة إلى الضغط العصبي الرهيب الذي سيتعرض له قبيل النهائيات الأفريقية من الجماهير المتعطشة للفوز بالبطولة التي ستقام على ملاعبها. لكن هناك سببا هو الأهم من وجهة نظري ، فنحن دائما وأبدا في حاجة لمدرب يعلمنا ويطور من أداء من لاعبينا وليس مدرب يتعلم معنا ، والفارق بينهما كبير ، فتارديللي كان يرغب في التعلم معنا والتجربة فينا ، ظنا منه أن عدم وصولنا إلى كأس العالم منذ 14 سيجعلنا نتقبل ببساطة تجاربه "الفئرانية" على المنتخب. وطالما أننا لن نحضر مدربا عالميا من المستوى الأول ويكون مشهودا له بالتميز على المستوى الخططي والتكتيكي ، فإنني سأعارض تولي أي مدرب آخر بسياسة "ترقيع الثوب الممزق" ، لأن ثوب الكرة المصري أصبح في حاجة إلى تغيير جذري ، وطراز لم نشهده من قبل من المدربين. أما قول البعض بأن مرتب المدرب العالمي سيكون فلكيا ، وحسابات البعض لدقيقة المدرب وكأنها "دقيقة محمول" ، فلابد أن ينتهي هذا الأسلوب في التفكير تماما ، وأن نكون صرحاء مع أنفسنا ونسأل : "هل نرغب بالفعل في التأهل بالفعل لكأس العالم؟ وهل يستحق الأمر بذل كل ما أوتي لنا جهد لتحقيق الحلم؟ أم نكتفي بالدعاء على المنافسين مثلما نفعل في مجالات أخرى؟ .. "وألا بلاش"!