المشهد الأول من ميدان التحرير، حضن الثورة الأول، مواطن مصرى يقتحم تجمعاً جماهيرياً حول أحد مذيعى القنوات الفضائية وهو مدجج بالكاميرا والمايك والناس يتحلقون حوله فيفاجأ الجميع بالمواطن المقتحم يخترق الحلقة فيثير الدهشة والفوضى، فيسأله المذيع: أهلاً أهلاً وإنت نازل ليه؟ فيجيبه المواطن المقتحم: نازل أطمن على سيادة الرئيس محمد حسنى مبارك القائد الأعلى للقوات الجوية. ويأتى رد الفعل من سيدة بنت بلد تدفعه بكلتا يديها وهى تقول: يا خويا اتوكس. فيقع على ظهره على سيدة تقف خلفه، فتصرخ السيدة: آى يا دراعى إن شالله تنشك فى مصارينك. وعندما يحاول الوقوف يهجم عليه شاب ويقذف به بعيداً ويقول: لا إنت بقى تسمعنا سلامو عليكو عشان نعرف نتكلم مع الراجل. ويختفى المواطن تماماً عن المشهد ولا نراه ثانية دون أن نتأكد إذا كان قد اطمأن على سيادة الرئيس محمد حسنى مبارك القائد الأعلى للقوات الجوية! المشهد الثانى من منزلى العامر بالمقطم، حيث تجمع رهط من الأصدقاء كرد فعل على إشاعة أطلقها من لا أعرفه للمرة الثالثة على الفيس بوك مفادها أننى توفيت إلى رحمة الله تعالى وأصبحت خبراً بعد عين ومع أن هذا هو مصير كل كائن حى، فإن الأصدقاء الأعزاء داهمونى فى خلوتى المنزلية وقال قائل منهم: لا إحنا ما اتفقناش على كده يا أبوالنجوم. فسأله صديق آخر: أمال إنتو اتفقتوا على إيه بالضبط؟ فأجابه على الفور: إحنا اتفقنا على أن الفاجومى يسلم البلد لولاده الثوار ويسمعنا سلامو عليكو ويتكل على الله. فقال أحد الجالسين ضاحكاً: طيب وإذا الحكاية دى اتأخرت حبتين؟ فأجابه آخر: يا سيدى يا ريت تتأخر عشان الفاجومى يفضل معانا شوية. فقال آخر: كده عجلة الإنتاج حتتأخر والاقتصاد المصرى حيخش حارة ضلمة ويمكن تحصل مجاعة أو الله لا يقدر حرب أهلية والعياذ بالله. قلت: هذه مخاوف مصدرها حب مصر المحروسة وشبابها الرائع وثورتها العظيمة ولكنها مع هذا مخاوف لا تستند على حقائق تاريخية وإذا استطاع أحدكم أن يتصور مشهد المصريين وهم يقتلون بعضهم عندها يمكن تصور أى شىء. فقال قائل: ومن الذى قتل المجندين فى رفح؟ قلت: أنا لا أصدق ولا أتصور أن هذه المذبحة الخسيسة بعيدة عن الموساد الصهيونى وحتى الذين قتلوا هنا فى داخل مصر المحروسة قتلهم الموساد وحتى ولو كان القاتل يحمل اسماً مصرياً أو عربياً. وسألنى أحدهم كنت تقرأ فى كتيب معين؟ قلت على الفور نعم هذه مجموعة قصصية لصديقى الجميل ياسر عبدالمطلب «أبوأحمد» - صدقونى لو قلت لكم - أنه جاء فى الوقت المناسب يحسم الجدل بيننا. فقال أحدهم: هل ستقرأ لنا قصة قصيرة من المجموعة؟ قلت: بل سأقرأ عليكم التقديم لتتعرفوا ليس على ياسر بالتحديد ولكن على الإنسان المصرى الذى لا يمكن أن يقتل أخاه المصرى وقرأت ما يلى: تقديم.. الحمد لله الذى وفقنى حتى أتمكن من إصدار مجموعتى القصصية الأولى «إليك» والتى كنت أتمنى أن تصدر منذ سنوات مضت، فلقد كان اليأس بدأ يتملكنى لولا شىء من الإصرار وتشجيع بعض الزملاء والأصدقاء الكرام، فمنهم من تناولها بالمراجعة ومنهم من تناولها بالنقد حتى أصبح الحلم حقيقة. ثم قلت: هذه هى مصر، فهتف الجميع: «تحيا مصر»