هل نصنع للأكاذيب أضرحة ومقامات ونقيم حلقات الذكر نعيش فى رحابها ونستأنس بها ونمنحها النذور، وهل أصبحت الأكاذيب هى المشروع القومى الأنجح والأول فى مصر، فهى الصناعة التى نجيدها؟ فعلى قدر ما نمتلك من مواقع إخبارية وقنوات وصحف ومصادر للمعرفة فنحن نعادى المعرفة والحقيقة لتبقى الأكاذيب الإنتاج المفضل وصاحبة الإقبال الجماهيرى الكبير. نصنع الأكذوبة ونصدقها ونتعامل معها باعتبارها حقيقة ونتداولها ونضيف عليها ونجدد خطابها ولا أحد يسأل عن صحتها أو دقتها أو توقيتها، والثمن يدفعه الوطن ويدفعه الشرفاء ممن يوقعهم حظهم العاثر وأخلاقهم الرفيعة فى طرق صنعت أرصفتها من البلطجة والانتهازية، فنحن نحب السفهاء نصفق لهم ونشجعهم ونزدرى العلماء فنبقى على فشل والثمن تدفعه الحقيقة فهى الأضحية الدائمة التى تسفك دماؤها، فالأكاذيب هى الأعلى صوتاً والأكثر تأثيراً والأوسع انتشاراً، ويبدو أن جينات الوجدان المصرى لديها جاذبية خاصة للأكاذيب ولمَ كل يوم نستيقظ على قصة تخرج ساخنة وطازجة فى أفران الأكاذيب وننام على قصة أخرى؟ أصبحنا نتعاطى الأكاذيب وكأنها رغيف عيش أو إدمان صار مرضاً بلا علاج، فأغلب الأحداث والأخبار والقضايا التى تستهلك طاقتنا فيها خالية من الصدق ومنزوعة الدقة وممتلئة أكاذيب ملونة وبراقة وكلاماً ينضج على نار الجهل التى تأكل الأخضر واليابس من الصدق ومن البناء ومن طاقة التفكير والتقدم والأكاذيب تمنحها مواقع التواصل والمواقع الإخبارية أجنحة للطيران وسرعة الانتشار وقوة التأثير وتصنع القصص والأكاذيب فى أفران ومخابز مختلفة. أحدث حفلات الندب واحتفالات التربص مع سبق الإصرار فتحت سرادقاتها لأن هناك طفلاً لم يعرف عن الدنيا شيئاً فالعمر أربع سنوات ولديه حكم بالسجن ومن يبحث عن التربص ومن يمضغ الأكاذيب ولا يبحث عن دقة أو صحة الواقعة يمارس أدوار الجلاد مرة والفقيه والعالم والحكيم مرة لتبدو الصورة قاتمة السواد ولم يكلف أحد نفسه البحث عن الحقيقة وربما أيضاً لأن الشفافية شرف غائب فهذه الأكاذيب تكبر وتتضخم ثم تتضح الحقيقة ولكن بعد تصديق الأكذوبة فهناك تشابه أسماء بين الطفل وشاب آخر، وإن ألعاب بعض المحامين القذرة نجحت فى خلق هذه الأكذوبة ولكن نحن لا نريد أن نتبين الرشد من الغى فنحن لا نصدق سوى المصائب ونحن لا نمتلك أيضاً جهات معلومة تكشف الحقائق فيساهم غيابها فى منح الأكاذيب بطولة مطلقة. النماذج كثيرة كل يوم وليلة تؤكد حالة التربص والإصرار على الجهل والفشل وعلى غياب الشفافية والحقيقة وبالتالى تم اجتزاء وتأويل كلام الرئيس السيسى فى قمة شرم الشيخ الأخيرة الخاصة بأفريقيا وهو يتحدث عن جدول زمنى للأجندة الأفريقية يؤكد أن التنمية الشاملة ستتحقق فى 2063 فى تصريح ليس له علاقة بمصر ولكن لأننا نضمر السوء واعتدنا على الأكاذيب وصدقنا أنها حقائق فتحنا كل مخرات سيول السخرية والنكت وهى الصناعة التى نجيدها بإبداع ونجود فيها بإبداع أيضاً، الكذبة كغيرها من الأكاذيب، فنحن نجيد الحفاوة بهذه الأمور ونلونها ونضخمها وهذا ما حدث فى قصة «السبكى»، صاحب صفحة «يوميات زوج مطحون»، فهو باحث وحالم بالشهرة حتى لو كانت بطرق رخيصة وفجة باعتبار أن الشهرة هى الهدف والأمل والأمانى، وبالتالى فهى يتعمد الإثارة ليحصل على نجومية زائفة ولأن الميليشيات الإخوانية تعتمد خططها على التربص والإصرار على إضرام النار المستمر فى الوطن فقد أرادت أن تستمر تفاهة «السبكى» التى جلبت له أكثر من مليون متابع فبحثت عن أكثر تفاهاته فوجدت تصريحاته البلهاء منذ أكثر من شهرين فى برنامج «ممكن» مع خيرى رمضان لتطلق كل طاقاتها وهى تعرف النتيجة رغم أن هذه البلاهة يكررها فى كل البرامج التى سعى للظهور فيها باعتباره مطحوناً وساخراً ولأننا نبحث عن كل ما هو مثير وردىء. فأصبح نموذج «السبكى» وقبله. نحن مجتمع ممسوح العقل يستمتع بالتربص والأكاذيب والجهل ويعيش فى رحابها ويمارس الانتحار الجماعى.