بداية لنتفق على مبدأين بديهيين، الأول: أن خطأ أى مسئول لا ينسحب بالضرورة على المؤسسة التى يترأسها، سواء كان ذلك الخطأ مقصوداً أو وقع سهواً، أى إنه يجب ألا تسدد المؤسسة «فاتورة» خطأ مسئولها. والثانى: أنه يستوجب على المسئول أن يتحلى بالشجاعة الأدبية ويعلن خطأه إذا كان سهواً «جلّ من لا يخطئ سبحانه وتعالى»، أما إذا كان هذا الخطأ قد اُُرتكب عمداً مع سبق الإصرار فهذا أمر آخر يستوجب على هذا المسئول «الاستقالة» فوراً ودون تردد -ولا أقول- أن يتبع «المنهج اليابانى» فى مثل هذه الحالة. إذا اتفقنا على هذين المبدأين فإننى أتوقف أمام «الثانى» منها الذى يمثل خطيئة لا تغتفر، خاصة لو كان هذا «الخطأ المقصود» يتقاطع مع منظومة القيّم والأخلاق والمبادئ الدينية وتحديداً إذا كان هذا المسئول يترأس مؤسسة أو وزارة لصيقة تماماً بالدين الإسلامى الحنيف «من غشنا فليس منا»! ما أتحدث عنه هو مقدار الزيف والغش والخداع الذى كشفت عنه الصحف صباح يوم الاثنين الماضى، وهو على أى حال لا تتحمله المؤسسة التى ينتمى إليها اثنان «الشيخ وصبيّه»، فلا الأزهر يتحمل وزر طالب ينتمى له، ولا وزارة «الأوقاف» ستسدد فاتورة «خطيئة وفضيحة» وزيرها، فالجميع يكن كل تقدير واحترام «للاثنتين» أى الجامعة والوزارة، وليس لأحد غيرهما من أبطال هذه المأساة السوداء. ولنبدأ بالشيخ، أى وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة -والله أعلم بحقيقة حصوله على الدكتوراه- الذى صُدم الرأى العام فيه عندما كشفت صحيفة «المصرى اليوم» فى صدر صفحتها الأولى يوم الاثنين الماضى عن أنه، أى الوزير، قد نسب لنفسه جهود سلفه الدكتور حمدى زقزوق إذ أزاح الأول «جمعة» اسم الثانى «زقزوق» من «موسوعة الحضارة الإسلامية» التى أصدرها «زقزوق» عام 2005 ووضع اسمه عليها «مختار» وغيّر تاريخ صدورها من 2005 إلى فبراير 2014 ثم قدمها إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى أثناء الاحتفال بالمولد النبوى الشريف فى ديسمبر الماضى، متجاوزاً كل القيم التى تتضمنها المنظومة الأخلاقية التى يدعى الامتثال لها بوصفه رجل الدين الإسلامى، باعتبار أن الزى الأزهرى لا يفارق جسده ومتناسياً أن سلفه «زقزوق» قد أهداها للرئيس المخلوع «حسنى مبارك» فى ذات المناسبة يوم الاحتفال بالمولد النبوى الشريف -إمام المتقين وذى مكارم الأخلاق الحميدة- بعد أن فرغ من إعدادها فى عام 2005!! لا أدرى أى سبب دفع الوزير لارتكاب هذا الفعل الذى يشابه سرقات «حرامية الغسيل» والذى كان فى غنى عنه وعن تلك الشكوك التى قد تغزو الرأى العام فى حسن و«أمانة» إدارته لأموال وأوقاف المصريين، وهى تقدر بالملايين بل بالمليارات!! هذا ما جناه الشيخ، أما صبيه «عبدالرحيم راضى» الطالب بكلية الصيدلة بفرع جامعة الأزهر بأسيوط، فقد استطاع أن يصيغ مسلسلاً من الغش والخداع أوقع فيه وسائل الإعلام وجامعته الأزهرية، بعد أن روّج فوزه بالمركز الأول بالمسابقة العالمية لحفظ القرآن الكريم بماليزيا الشهر الماضى، إلى درجة دفعت الجامعة إلى تنظيم حفل لتكريمه إلا أنها تراجعت عنه فى اللحظات الأخيرة عندما كشف القارئ الدكتور عبدالفتاح الطاروطى المحكم بالمسابقة المذكورة هذا الغش، وهو أيضاً ما نشرته صحيفة «الوطن» فى ذات اليوم «الاثنين الماضى» إذ لم تكن هناك أى مسابقة للقرآن الكريم قد أقيمت بماليزيا الشهر الماضى، وأن آخر مسابقة لذلك جرت فى شهر «شعبان» الماضى، أى منذ نحو 8 أشهر، بالإضافة إلى أن هذا الطالب لم يحصل من الأساس على تأشيرة للسفر إلى ماليزيا، وفق ما أكده السفير الماليزى بالقاهرة! وإذا كان الدكتور «الطاروطى» قال: «أنا مذهول من القصة الخيالية التى نسجها الطالب وأساء بها لأهل القرآن الكريم والأزهر ولكل العلماء»، داعياً الأوقاف والأزهر وجامعته إلى التحقيق فى الواقعة ومعاقبة الطالب، فماذا يقول عن «خطيئة جمعة» الذى لزم الصمت حتى كتابة هذه الأسطر؟! يبقى سؤال محدد يدور حول متى يعترف المسئول بخطيئته؟ ومتى يقدم استقالته؟ وهل سيأتى يوم نرى فيه مسئولاً يمتلك الشجاعة الكافية لمواجهة نفسه بأخطائه دون محاولة إلصاقها بغيره؟ سؤال يبدو أن علامة الاستفهام ستظل ملقاة أمامه طويلاً!