فى المسافة ما بين الحسينى ثائراً والحسينى شهيداً، تصطف أشجار التاريخ، وتعزف الأمم نشيدها الوطنى، يتعمد طين الحقيقة بالدم المسفوك أمشاجاً لمواليد جدد، يهبون الحياة الحياة. وكان (الحسينى أبوضيف) ريحانة الميدان، وعترة الثوار، يسعى فى لهفة العمر القصير من (الفجر) الكلمة والصحيفة إلى الفجر (الخلاص)، يحمل كل أسلحته (الكاميرا والقلم والروح والعزم والأوراق والكبرياء والغضب) يتنقل من التحرير (الميدان) للتحرير (القصر) رافعاً يده بعلامة النصر. ولم يعلم سيد شباب الثورة أن عصابة يزيد كانت له بالمرصاد، تعد العدة وتحشد القطيع والعتاد، لتحصد حدائق الورد، فلا يبقى غير شوكها فى العيون وتحت الأقدام. الحسينى لا يفر من مواقع القتال، لأنه ابن الثبات، فليحاصر من يحاصر، وليناور من يناور، أو يداور من يداور، هو الصعيد بسمته وسماته، الناصرى عزة وكبرياء، وكلما رأيته ألفيته واقفاً أو راجلاً، وكأنه قرأ الطريق من الثورة للشهادة، فتعجلت أقدامه معراج الجنة. كان الخوارج يرقصون فى مهرجان مذبحة الطيور، عيونهم مشرعة، وقلوبهم موصدة، يتقافزون بالسيوف قفزة المدربين على اغتيال الحياة، تراهم يرفعون يداً بالمصحف المفتوح على السور المكية، ويدا تحمل السلاح، تعلو وجوههم غبرة الجهاد الكاذب، لقد أعدوا لأبناء الله ما استطاعوا من قوة، دفاعاً عن شرعية كاذبة وملك عضود، تتبختر لحاهم المشعثة فوق صدور بغير دماء، يغترون بالعدة والعدد، على القلة المؤمنة (يتشامخون على العباد كأنهم ملكوا العباد، وهم إذا لاقوا الأمير تضاءلوا مثل العبيد) واعتبروا هم وأولياؤهم أن البهتان والزيف والكذب المجلجل هن آيات النجاح. انقضت أغربة المقطم على الصيد الثمين، وكان الحسينى يشد أجزاء الكاميرا، ليعاين خزنة الصور الدالة على المأساة، صوّب أحدهم سلاحه من مسافة قريبة إلى رأس الحسينى طلقة من الرصاص الحى، تهتك الجمجمة، وتطلق نافورة الدم الزكى، لتسقى جداول الخليفة المأمون، ويهجم جيش التتر على جثمانه النازف، ليقتلعوا الكاميرا من بين يديه، ففيها كل شهادات الإثبات على جرائمهم فى حق الثورة والثوار. ربما ذهبت العصابة بعدها إلى وكرهم الخفى وصلوا المغرب فى جماعة، ثم تناولوا الطعام بلذة ونشوة غريزية، وتسوك كبيرهم بالمسواك، وهو يزفر فى ارتياح: الحمد لله من قبل ومن بعد، لقد تخلصنا من الحسينى عدو الله، وربما ربت الآخر على بطنه المكتنز بالطعام وقال فى ضراعة: لقد قتلنا هؤلاء الكفار تقرباً لله ولخليفته على الأرض محمد مرسى العياط!! وربما هتف أحدهم بسوقيته: (إدينا الإشارة أجيبهم لك فى شكارة). يا أيها القادم من ألم الجنوب، اشرع كل أقلامك، واكتب على (التويتر) آخر كلماتك: «إذا استشهدت لا أطلب منكم سوى إكمال الثورة». قل يا حسينى: «فإن سكتم بعد ذلك على الخديعة، وارتضى الإنسان ذله، فأنا سأُقتل من جديد، وأظل أُقتل من جديد». وإذا انتقلت من (طما) لجامعة أسيوط، اصدع بما تؤمر، وارفع رأسك فوق، إنك الشريف الفقير، صاحب كل الحقوق، دافع عن حق الغلابة فى التعليم، واحفظ العهد لعصر نبى الفقراء، صاحب المجانية، والنهضة الصادقة، وإذا نزلت القاهرة، فاسكن شارع الحرية وسلالم النقابة، وانشد واهتف واصرخ، واحمل بشارة ثورة الشعب لإسقاط كل سكان القصر، ثم ازرع قدميك فى حدائق التحرير والميادين، حتى إذا سقط شهيد حملته على كتفيك، واحتفظت بقميصه المخضب بالدماء كى تثأر له، وكى تجد بعد حناء قميصك من يثأر لك. يا حسينى يا حبيبى، لقد قتلنى قتلك وسفكنى دمك، فلن أنسى يوم جئتنى من سنوات فى جريدة «الكرامة» ممتشقاً أوراق قضيتك، ولن أنسى حضورك اليومى بعدها فى كل الميادين التى مزجت بين مداد الحقيقة حين تكون المهنة رسالة، ومداد الجسد حين يكون الخلاص أكبر وأنبل من المهانة، كنت سعيداً بلقائك فى أول أيام الثورة 25 يناير، حين أعنتنى على قفز السور الحديدى، ومعى الصديقان النبيلان د. عمرو حلمى، ود. محمد شعير، ساعة اشتداد المواجهة مع عصابة العادلى. ولما رأيتك يوم عرسك السماوى، وأنت ذاهب إلى قصر الاتحادية، فقلت لى بابتسامة مدهشة: الثورة قايمة والكفاح دوار، وكانت عيون الزملاء والآباء فى السياسة والصحافة تحرسك خوفاً عليك من جرأتك واستقامتك المذهلة، لكن قدر الشهيد أن يمضى خفيفاً رشيقاً، تحوطه القلوب مثل كورس الإنشاد، تحف المشهد ملائكة تحلق حولك وحولنا كما حدث فى جنازتك المهيبة. أما الذين سرقوا اسمك وولاءك وتاريخك القريب، فليس لهم سوى وصيتك بإكمال الثورة، ووصية الضمير المصرى.. القصاص.. فسلام عليك يا حسينى فى الأولين والآخرين.