المكان خال من كل تفاصيله، إلا الزى الكاكى، ثكنة عسكرية هى ما تحول إليه الحى الراقى، أعداد مهولة من الحرس الجمهورى وقوات الأمن المركزى تقبع خلف أسوار محيطة بقصر الاتحادية، بعضها خرسانى وآخر من سياج حديدى أصفر اللون يستعمل فى أعمال الإنشاء تم طلاؤه بالمازوت حتى يمنع المتظاهرين من لمسه، المارة يطوفون حول الأسوار دون جدوى، سكان العمارات المطلة على القصر محرومون من الدخول عدا قليل منهم بعد إبراز هوياتهم، يخرج أحد العمال فى محل لشراء الإفطار فيتم السماح له فيما يُمنع من الدخول ثانية بعد مرور عشر دقائق. «الخارج مولود والداخل مفقود» هكذا يبدو المشهد، يرد أحد القادة بوجه متجهم على سؤال حول حالة المعتصمين بالداخل -المدنيين الوحيدين- بقوله: «ملناش علاقة بيهم هما جوا من غير أكل وشرب اللى عايز يخرج أهلا واللى مبسوط خليه زى ما هو»، يمر بائع ترمس بعربته مستعطفا قائد القوات كعادته خلال الأيام السابقة الدخول لجلب الرزق، لكن هذه المرة الأمر بدا مستحيلا، بثقة تمر امرأة ثلاثينية ممسكة بيد صغيرها الذى يرتدى ملابس الدراسة، يقابلها أحد ضباط الجيش بصلف «مفيش دخول» فى البداية ظنت أنه تعسف يزول قبل أن تطيل وقفتها لتردد «يعنى أعزل من هنا ولا نبات فى الشارع.. حسبى الله ونعم الوكيل». ارتداؤه زيا مدنيا لم يمنعه من الدخول، فهو يحمل الأطعمة للضباط ويحمل هوية تؤكد أنه لم يزل يخدم الوطن.. مدير البنك الأهلى فرع مصر الجديدة يطل برأسه من باب البنك المغلق منذ الحادية عشرة فيما يسأل أحد الضباط «أقفل إمتى الأبواب النهارده؟» فيرد عليه بكلمة واحدة خرجت من وجه صارم «معرفش».