قولاً واحداً لا خوف فيه من ناشط متمحك فى الثورة، ولا نفاق فيه لأحد، الفيديو الذى صنعه الفنان الشاب أحمد مالك ومعه مراسل برنامج أبلة فاهيتا (شادى) لا يمكن تصنيفه أبداً تحت بند الإبداع أو حرية الرأى والتعبير، وهو فى النهاية، وبعد محاولات لانتقاء أفضل الألفاظ، فيديو حقير ومبتذل ويعبر عن كمية لا بأس بها من «قلة الأدب». الموضوع أصلاً أكبر من فكرة «الابتذال وقلة الأدب»، الموضوع يتعلق بأدمغة أصابها التلف سواء دماغ مَن صنع الفيديو أو من حاول الترويج له والدفاع عنه، هذه العقول التى لا تجيد الدفاع عما تؤمن به، ولا تجيد تقدير المواقف سياسياً، ولا تستطيع الإجابة على معادلة الأسئلة الصعبة: «أعمل إيه إمتى وفين وإزاى؟». أن تنتقد الداخلية وتهاجم تجاوزات ضباطها، تطاردهم فى المحاكم بالبلاغات، تتظاهر ضدهم، تهتف ضدهم، تلك حريتك الشخصية وقناعتك التى يكفلها لك الدستور، ولكن شادى ومالك لم يفعلا ذلك. أن تقوم بالسخرية من وزارة الداخلية ومن الضباط، أن تطلق نكتة، أن ترسم صورة كاريكاتيرية، فهذا أيضاً حقك، فنحن أصلاً شعب ابن نكتة وطالما سخر من المسئولين بالنكتة والكاريكاتير، ولكن شادى ومالك لم يفعلا ذلك. شادى ومالك تجاوزا خط النكتة المصرية وحاجز الاحترام وانحدرا هما ومن معهما إلى قاع الابتذال، الفعل الذى يجعل منك ومن فكرتك التى تدافع عنها محل اتهام من مجتمع يرى فى السخرية من جهل عسكرى أمن مركزى جريمة فى حد ذاتها، وأن يسخروا منه باستخدام واقٍ ذكرى يتم تصوير عسكرى «راجل» وهو يحمله وإذاعة الفيديو لإذلاله أمام أهله وأولاده إن كان له أولاد فتلك هى الجريمة، شادى ومالك تعمدا تصوير الفيديو بحثاً عن الشهرة لكى يجمعا آلاف «اللايكات» على الفيس بوك ويحصلا على كثير من الإشادة، وذلك يستدعى أن تتذكر شهيد دمياط محمد أيمن أبوشويقة الذى احتضن إرهابياً ليفجر حزامه الناسف دون أن ينتظر كاميرا لتصويره. لا رغبة هنا فى حبس شادى ومالك، ولا ذبحهما، ولكننا نثبت حالة ونسجل واقعة تعرى عقول هؤلاء الذين يفسدون صورة ثورة 25 يناير ويشوهون صورة شباب المعارضة فى مصر، ونثبت واقعاً يقول إن بعض النشطاء المتمحكين فى الثورة لا يختلفون كثيراً فى ردود فعلهم عن خصومهم السياسيين الردّاحين والمتطرفين. يقول سيدنا على بن سيدنا الحسين (رضى الله عنه): «العصبية التى يأثم عليها صاحبها أن يرى شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين»، وهذا بالضبط ما كشفته واقعة مالك وشادى، مجموعة من النشطاء المتمحكين فى الثورة لا يريدون الاعتراف بأن الفيديو خطأ، لنكتشف معهم أن فى مصر فئة من السياسيين سواء مؤيدين أو معارضين ترى الخطأ جريمة فقط حينما يمسها، بينما تراه حرية رأى وتعبير حينما يمس خصومها. الأزمة الأخرى فى الخلل الدماغى الذى دفع بعض الشباب المدافعين عن مالك وشادى إلى ربط ما حدث بتجاوزات الداخلية وقضايا التعذيب، نحن نرفض تجاوزات الداخلية كما نرفض مواجهة ذلك بقلة أدب مثلما فعل شادى ومالك. بعض النشطاء تمادوا فى نفاق أنفسهم ووصفوا الفيديو بأنه إبداع وحرية رأى وتعبير، رغم محتواه الجنسى وإيحاءاته غير المقبولة، وللأسف هم أنفسهم من قبل الذين هاجموا السبكى بسبب الإيحاءات الجنسية فى أفلامه ووصفوها بالانحدار وآلة لهدم المجتمع. الوضع فى مصر الآن أصبح كالتالى: تقول ما يحبه النشطاء تبقى حلو وعظيم وثورى، تقول ما لا يحبونه تصبح منافقاً، وبالمثل تقول ما يحبه إعلاميو وسياسيو الطبلة والحشد تبقى حلو ووطنى وعظيم، تقول ما لا يحبون تبقى «طابور خامس» وخائناً.