مشهدان سينمائيان فى فيلمين مختلفين عُرضا فى إطار فعاليات مهرجان القاهرة السينمائى. يكشفان بجلاء تلك العلاقة الوطيدة بين كل أشكال الإرهاب فى العالم، وإن اختلفت الأسباب.. سواء كان إرهاب دولة أو إرهاب أفراد وجماعات.. مشهدان ينفطر لهما القلب، لأطفال يدفعون ثمن الجهل والتعصب ومحاولة استيطان العقل باسم الدين وهو من أفكارهم براء، أو استيطان الأرض باسم التاريخ وهو كذب وافتراء. المشهد الأول يأتى ضمن أحداث الفيلم الجزائرى «التائب» للمخرج الكبير مرزاق علواش على خلفية مناقشة قضية توبة أفراد الجماعات الإسلامية المتشددة التى روّعت الشعب الجزائرى طوال سنوات العَشْرية السوداء بعد إصدار قانون «الوئام المدنى» الذى يقضى بالعفو عن كل من يعلن توبته ويسلّم سلاحه.. يقوم «التائب» فى الفيلم، رغم أن الدولة وفرت له عملاً شريفاً، بابتزاز صيدلى ويساومه على دفع عشرة ملايين درهم كى يدلّه على قبر ابنته التى اختطفها الإرهابيون منذ خمس سنوات عقاباً له على رفضه التعاون معهم.. كان الرجل وزوجته يتشوقان لمعرفة مصير طفلتهما.. وافقا على شروط التائب، الذى يصحبهما إلى مكان موحش فى منطقة الجبال، ويشير إلى مساحة من الأرض محددة بقطع من الحجارة، يرقد تحتها جثمان الطفلة المغدورة، تصرخ الأم الملتاعة فى هستيرية، وهى تنبش أرض القبر بأظافرها، بأى ذنب قُتلت؟ لكن الإرهاب الغبى لا يسمح للأب والأم أن يبكيا فقيدتهما فتنطلق رصاصاته تخرسهما إلى الأبد ليلحقا بمصير الابنة بينما تتعالى فوق الجثث صيحات القتلة: الله أكبر. المشهد الثانى يأتى فى سياق فيلم «مملكة النمل» للمخرج التونسى شوقى الماجرى الذى تدور أحداثه على الأرض الفلسطينية حيث تمارس قوات الكيان الصهيونى كل أنواع القهر والظلم والتعذيب والقتل بدمٍ بارد للمواطنين الفلسطينيين ومنهم «سالم»، الصبى ذو الاثنى عشر عاماً، الذى اغتالته رصاصة إسرائيلية صبيحة يوم العيد.. تصرخ أم سالم ثائرة فى وجه الضابط الإسرائيلى المتعجرف متسائلةً عن مكان قبر ابنها، تكاد تفترسه، لكنه لا يأبه لصراخها ويحتمى داخل سيارته المصفحة لينطلق بها دون ردٍ شافٍ، تسقط الأم منهارة، فحزنها على وليدها يدمى قلبها لكن الحزن الأكبر ليس له قبر، فالأمر عند المواطن الفلسطينى يتعلق بضرورة دفن الشهداء فى تراب الوطن.. فالذى ماله وطن، ماله فى الثرى ضريح.. كما يقول محمود درويش شاعر فلسطين الأكبر.. إنه الإرهاب يتكرر فى الحالتين، وإن تباينت الأسباب واتفقت النتائج.. أمهات ثكْلى، وأطفال يُغتالون تحت دعاوى مضلِّلة عن «فريضة» الجهاد.. أو العودة إلى أرض الميعاد، الأول يغتصب العقل، والثانى يغتصب الأرض.. وكلاهما قاتلٌ بلا ضمير. يرهبون الناس باسم الدين، تتساوى فى ذلك جماعات العنف والقتل المتأسلمة، أو ما يعتقده اليهود الصهاينة، وقد علّمنا التاريخ أن لا أمان لإرهابى تائب.. ولا ثقة فى صهيونى فكلاهما وجهان للإرهاب!!