تجمعنى صداقة تقترب الآن من ربع قرن بواحد من أعضاء «الجماعة الإسلامية» الذين قدموا تضحيات كبيرة فى سبيل الفكرة التى يؤمن بها، والتنظيم الذى انتمى إليه منذ كان فى المرحلة الثانوية، وطوال هذه السنوات لم أشهده على هذه الدرجة من الارتباك وغياب اليقين. صار صديقى يتبنى المواقف ونقيضها، يدافع عن فكرة إلى درجة التماهى الكامل معها ثم ينقلب عليها تماماً بعد ساعات معدودة، يحار فى فهم قادته ثم يلتمس لهم الأعذار، يصارحنى بشكوكه، وقبل أن أناقشه يعود فينكر ما قاله للتو، مؤكداً ثقته فى «الشيوخ» ومنهجهم، حتى وجدته قبل أيام يعلن حيرته وسط أسماء المرشحين للرئاسة لا يستثنى منهم أحداً، عاجزاً عن المفاضلة بين المنتمين إلى رؤى «الإسلام السياسي» والبعيدين عنها، معتبراً أن هذا الفارق «شكلى» لا يعوّل عليه عند الاختيار. أظن أن اضطراب هذا الصديق حالة متكررة بين أعضاء «الجماعة» التى تبحث لها عن موضع لائق فى الخريطة الجديدة للقوى الإسلامية، لكنها تعانى صعوبات بعد تشكيلها حزب «البناء والتنمية»، يتعلق بعضها بضعف خبرة العمل الحزبى، ويتصل البعض الآخر بذوبان الفوارق الفكرية التى تفصلها عن بقية الجماعات الإسلامية، بما فيها «الإخوان» التى كانت (الجماعة) تعتبرها نقيضاً لها فى أسلوب الحركة، قبل أن تأتى مراجعات السجون لتحوِّل «الجماعة» من تيار «السلفية الجهادية» إلى أحد نماذج «السلفية الدعوية التقليدية». إن حسم خيارات «الجماعة» فى الرؤية الفكرية والبرنامج السياسى والخطاب الإعلامى سيسهم، إلى حد بعيد، فى تحديد مستقبل هذا التنظيم، الذى بدأ كحركة طلابية صغيرة نجحت -وهى ما زالت فى مرحلة التكوين- فى التصدى لصقور «الإخوان» الذين انقضوا على التنظيم الوليد محاولين اقتناصه لصالح جماعتهم، وبعد تجربة قصيرة للاندماج مع مجموعات «الجهاد» استعادت «الجماعة» فى منتصف الثمانينات كيانها التنظيمى داخل السجون، وطوَّرت خطاباً مختلفاً عن بقية الفصائل الإسلامية، لكنها تواجه اليوم تحدياً مختلفاً يتطلب هذه المرة تجديداً وسط عمل علنى لم تعرفه «الجماعة» من قبل، وفى هذا جوهر أزمتها.