على الرغم من انتقادات الكثيرين له، أصر الرجل الوطنى المحترم على قبول دعوة الرئيس ليكون أحد مستشاريه. كان يرى أن الرئيس يجب ألا يترك فى يد جماعته، وأن جسراً يجب أن يظل ممتداً بين الرئيس ومعارضيه أو القوى الوطنية التى يحظى المستشار لديها باحترام كبير لم يقلله قبوله للمنصب، لكن السر الذى لم يفهمه أبداً هو إصرار مسئول البروتوكول -الذى ينتمى لنفس جماعة الرئيس- أن يظل على يمين الرئيس حين يحدثه، ولم يقنعه أبداً تبرير المسئول الكبير والقريب من الرئيس أنه يؤثره على آخرين، ولا ترديده للدعاء «ربنا يجعلنا من أهل اليمين»، ولم يتوقف المستشار عند الأمر سوى فى الفترة الأخيرة؛ فقد همس للرئيس وهو عن يمينه فى أكثر من اجتماع أن هناك أخطاء كثيرة فيما يفعله ستجلب سخط الناس وتؤدى لثورتهم ضده، لكن المتحدث عن يساره كان يهمس له: يافندم لازم كمان نصر على هيبة الدولة؛ لأن تراجعك هو سقوط لهذه الهيبة، وكان الرئيس يكتفى بالصمت، لكن قراراته كانت تزعج المستشار وتأتى مؤيدة لمستشاريه من جماعته والمقربين منه، حتى فاض به الكيل حين خرجت جموع عديدة فى طريقها للقصر الرئاسى اعتراضاً على قرارات الرئيس. فتوجه للرئيس وسط أحد الاجتماعات، وأصر على الدخول، ثم وقف عن يمينه وهمس له أن الناس تحتاج لأن يقدر مواقفها، وأن المعارضة ليست خائنة كنا يصور له البعض، وأن احترام الدستور والقانون وجمع الناس فى صف واحد أفضل بكثير من المعارك التى سيخسر فيها الجميع، فى وقت لا يتحمل فيه البلد أى خسارة من أى نوع. لم يبد على الرئيس أى اهتمام فاحتد المستشار وعلا صوته، لكن المتحدث الرسمى تدخل بصرامة: عفواً سيادة المستشار.. الرئيس لديه موعد مع الطبيب الآن. صرخ المستشار باستنكار: لكن الناس على باب القصر، ويجب أن يخرج لهم أو يصدر بياناً يحترمهم. لكن المتحدث الرسمى كان حازماً وهو يقول: موعد الطبيب الآن وسيتوجه له الرئيس فى عيادته لاستحالة أن يأتى الطبيب وسط هذه الظروف. حاول المستشار أن يتحدث لكن رجال الحرس الجمهورى والبروتوكول أحاطوا بالرئيس واصطحبوه فى سرعة للخارج أمام نظرة المستشار المصدومة. خرج الرئيس فى موكبه من القصر وعن يمينه يهتف الناس: ارحل، بينما يصطف على يسار الموكب جنود الأمن المركزى، لكن الوضع داخل القصر كان ساخناً؛ لأن مستشار الرئيس كان يصرخ فى الجميع وهو ممسك باستقالته ملوحاً بها فى وجه كل من يقابله، حتى وجد أحد المستشارين من جماعة الرئيس فهدّأ من روعه وهو يقول له: يا سيادة المستشار استقالة إيه بس؟ إحنا لازم نتكاتف ونخرج بمصر لبر الأمان. قال المستشار: يعنى انت عاجبك يسيب كل اللى بيحصل ويروح للدكتور؟ دكتور إيه؟ ثم أشار بإصبعه فى غضب ووعيد للرجل: هل لدى الرئيس ما يمنعه صحياً من أداء مهامه كما كان يتردد؟ صاح الرجل: فال الله ولا فالك يا أخى.. ده مجرد تعب فى ودنه. تهدج صوت المستشار وهو يقول: اوعى تقول لى فى ودنه اليمين. فرد الرجل: أيوه.. ودنه اليمين ما بيسمعش بيها خالص. ثار المستشار وهو يصرخ: وكل ده كان مصدّرلى الطرشة؟ لكن الرجل حاول التهدئة من روعه وهو يقول: أرجوك ماتاخدش الموضوع بشكل شخصى.. هو مصدرها للناس كلها. يومها قدم المستشار استقالته، وعاد لصفوف المعارضة. (من كتاب: مرسى ودموعى وابتسامتى.. تحت الطبع).