بجلباب فلاحى فقير وغطاء رأس مهترئ تقف ممسكة بيمينها كيسا بلاستيكيا يحوى كل أملاكها، عبوات مناديل ورقية تقتات بها الرزق وورقة صغيرة تحمل شكواها إلى باب القصر، أمام محاولات يائسة من موظفى الديوان تنتفض السيدة منيرة عبدالجابر أحمد اعتراضا على عدم استجابة الرئاسة لمطلبها بإعادة منزلها المغتصب فى البساتين وفاجعتها فى أبنائها؛ قتل أولهم فى الأيام الأولى للثورة فى انتفاضة الشباب ضد الشرطة فى التحرير، فيما قتل ابنها الثانى على يد الرجال أنفسهم داخل قسم البساتين، وسُجن الثالث فى قضية ملفقة -حسب قولها- «الظلمة خدوا منى بيت سبع أدوار ومش راضيين ينفذوا لى حكم المحكمة»، بين الحين والآخر تراوح السيدة العجوز ذهابا ومجيئا على أبواب القصر منددة بالواقفين وممطرة أحدهم بأقذع الشتائم قبل أن تغرورق عيناها بالدموع موجهة رأسها صوب السماء «منكم لله يا كفرة مش لاقيين ناكل ومحدش بيبص علينا.. خلاص تعبنا منكم ومن اللى قاعد جوه ده.. ربيت عيالى وقتلوهم وأدينى ببيع مناديل عشان أربى اليتامى». الست منيرة لم تكن وحدها أمام ديوان المظالم فهناك آخرون لم يزالوا معتصمين أمام أبوابه، «إنتوا جايين تحمونا ولا تموتونا.. طيب أهو بتوع التحرير جايين يشيلوه ويريحوكم منه» كلمات تقولها بغضبة فيما يربت على كتفيها «السيد» موظف الديوان محاولا تهدئتها، السيدة المكلومة تسكب غضبها على الرئيس مرددة بلهجة ثورية «اللى ما يعدلش ميحكمش مصر»، تقرر المرأة السبعينية الذهاب إلى التحرير للبدء فى الزحف مع المتظاهرين القادمين «أنا عايزة حقى من الريس ومش ماشية غير لما آخده»، رغم عشمها فى قدوم الثوار غير أنها لا ترى فى الثورة أى نتاج أو أثر فى حياتها «دى ثورة زى قلتها». عيون شاخصة وأعصاب مشدودة وهدوء ممزوج بتحرك أمنى.. اللون الزيتى لسيارات الأمن المركزى يخيم على الشوارع والمداخل المؤدية إلى قصر الاتحادية بمصر الجديدة، مشهد يسيطر عليه أفراد الجيش والأمن المركزى المكلفون بتأمين المنطقة، فكثير من الزى الميرى قليل من المدنيين، تزدحم بوابة القصر بمئات يظنهم البعض متظاهرين، لكن الاقتراب منهم يكشف هويتهم، تقول منيرة: كنا من بتوع ديوان المظالم.. لكن مرسى خلانا متظاهرين.. منهم لله الظلمة».