إحسان عبدالقدوس عبقرى الغوص فى تفاصيل النفس البشرية وتناقضاتها، تذكرت قصته «البنات والصيف» التى لمعت فى ذهنى كتفسير لعدة سلوكيات استغلق علىّ فهمها واستعصى تفسيرها فى هذه الظروف الحالكة التى تحتاج إلى أطباء نفس العالم لتشخيص ما يحدث ويجرى فيها، القصة التى أقصدها تحولت إلى فيلم قصير داخل ثلاث قصص بطولة حسين رياض وسميرة أحمد، القصة بسيطة ولكن لها دلالة مهمة، البطل محمد فرغل موظف تقليدى فى رحلة المصيف السنوية مع أسرته والخادمة «فتحية»، هو يتخيل أن فشله المزمن يرجع إلى أنه شريف ولا يقتنع بأنه فاشل، يشتهى الخادمة فى كل لحظة، يختلس النظرات إلى جسدها البضّ ويحلم بالنشوة فى أحضانها، يظل ترمومتر الاشتهاء يرتفع مؤشره حتى يصل إلى الذروة وعندها يتلكك على كمية الفول المدمس القليلة التى اشترتها «فتحية» من السوق ليقوم بضربها بمنتهى العنف والقسوة، يلمس كل جزء من جسدها بهستيريا ووحشية ونشوة أيضاً وهو يضرب ويخبط ويلكم ويركل ثم يطردها من البيت ويتهمها بالسرقة حتى يستطيع النوم ويطفئ شهوته!. تذكرت «البنات والصيف» وأنا أشاهد شخصاً للأسف يطلقون عليه داعية إسلامياً يسب بأقذع الألفاظ فنانة شهيرة ويترصدها فى كل خطبه ولقاءاته وكأنه بينه وبينها ثأر قديم، لسانه يخاصم أى أدب أو أخلاق مع كل مخالفيه ولكنه مع هذه الفنانة بالذات تجده يرغى ويزبد ويحمر وجهه وتهتز جوارحه، تشخيص الحالة أنه يشتهيها فى أحلام اليقظة كما يشتهى الموظف محمد فرغل الخادمة فتحية ولكن لا توجد علاقة مباشرة تتيح له ضربها ولمسها وركلها وتحقيق النشوة فيضربها لفظياً وبكل قسوة، يتشبث بصورتها وهو يسب ويلعن ولكنه تشبث كالحضن المتشنج للمصروع الذى يعض على لسانه حتى يتمزق إلى نصفين!، يتخيل الناس أنه يدافع عن الأخلاق والشرف بينما هو يمارس ما يسمى فى الطب النفسى إسقاطاً كوسيلة دفاعية لإنقاذ نفسه من جوع الشبق. تذكرت إحسان عبدالقدوس العبقرى وأنا أستعرض تاريخ الحكام الذين يعذبون فى أوطانهم التى يشتهونها ولكنه اشتهاء الجثة المتحللة وليس اشتهاء الجسد العفى، يقولون فيها «طظ» ولكنهم يريدون احتضانها كدراكيولا لمص دمائها فقط ثم تركها فى العراء، يسألهم المواطنون الذين يريدونهم دوماً رعية وعبيداً ما اللذة فى أن تحكموا أوطاناً بعد مصمصة نخاعها وعظامها؟، ما النشوة التى تحل بأوصالكم حين تحكمون خرابة؟، إنها نشوة الخفاش الذى لا يستطيع إلا أن يعيش داخل الكهف!، هم يمتلكون مرايا خاصة لا يرون إلا أنفسهم فيها، وبوصلة مضبوطة على قِبلة واحدة، وشفرة لا تفهمها إلا عصابة بعينها، ولكن الخلاف بين قصة إحسان وواقع هؤلاء أن أحداث رواية إحسان تدور فى الصيف أما الواقع المرير فقد حل علينا فى نهاية الخريف وبداية الشتاء.