بوجود ما لا يقل عن ستة أندية من الدرجة الممتازة، تشليسي وأرسنال وتوتنهام ووست هام وفولهام وكوينز بارك رينجرز، تعتبر مدينة لندن عاصمة "الدربيات" في العالم، لكن هذه المواجهات بين الجيران، والتي يبلغ عددها ثلاثين مواجهة في الموسم الواحد، لا تتمتع بنفس مستوى الحماس والإثارة. ووفقا لدراسة نشرت عام 2008، فإن الفرق الثلاثة الأبغض في لندن هي تشيلسي وأرسنال وتوتنهام، ما يدل على وجود أولوية في تصنيف مشاعر الجماهير المحلية، أي أن العداوة بين الجيران ليست متساوية. إن واقع اللعب ضد فريق آخر من العاصمة لا يكفي من أجل خلق الحماس والإثارة أو العداوة المتزايدة بين المشجعين. ومن أجل أن تكون المباراة مواجهة دربي فعليا، يجب أن يكون الناديان من الحي ذاته وأن يكون لهما نفس الأهداف والطموحات تقريبا. كوينز بارك رينجرز ووست هام يونايتد بعيدان عن بعضهما من ناحية جغرافية العاصمة، أما تشلسي وفولهام فهما جاران فعليان لدرجة أن المرء ينزل من مترو "فولهام برودواي" من أجل الذهاب إلى ملعب "ستامفورد بريدج" ومشاهدة مباريات أبطال أوروبا، لكن مشجعي فريق "البلوز"، المهدد بفقدان اللقب الأوروبي المرموق الذي تُوِّجَ به الموسم الماضي للمرة الأولى في تاريخه، لا يقللون من شأنهم حيال نظرائهم في فولهام، لأنهم يعتبرون الأخير أقل شأنا من فريقهم وجمهوره لا يستحق إهدار الحقد عليه. لكن جميع شروط وظروف العداوة والكراهية تجتمع في دربي أرسنال وتوتنهام.. دربي شمال لندن. فالفريقان تواجها للمرة الأولى في أواخر القرن 19، لكن الخصومة بينهما لم تصل إلى هذا الحد من الشراسة قبل عام 1913، عندما انتقل أرسنال، الذي أُسِّسَ بالقرب من نهر التايمز في جنوب شرق لندن، إلى ملعب "هايبوري" المتواجد على بعد كيلومترات قليلة من توتنهام، الذي دفع ثمن تردده في استخدام هذا الملعب. وفي الأعوام الأخيرة، اشتدت حدة التوتر بين الجارين بعد أن تراجعت نتائج أرسنال مقابل بروز نجم توتنهام ودخوله في صراع مع "المدفعجية" من أجل التأهل إلى مسابقة دوري أبطال أوروبا. وفي 2010 احتفلت جماهير توتنهام حتى الثمالة بما اعتبرته يوما تاريخيا، بعد فوز فريقها على أرسنال في معقل الأخير 5-2 للمرة الأولى منذ 17 عاما. وصحيح أن العداوة بين أرسنال وتوتنهام تعتبر الأكثر حدة في دربيات لندن، لكن الخصومة بين بعض الأقطاب الأخرى للعاصمة لا تقل شأنا، إلا أنها لا تظهر كثيرا على الساحة لأن أطرافها قد لا تتواجد معا في نفس الدرجة، نظرا لهبوطها إلى الدرجة الأولى في كثير من المواسم. عنف أقل نتحدث هنا عن مثال وست هام وميلوول. إنهما الجاران في شرق لندن، خلافا لما يوحيه اسم الأول (وست تعني غرب)، وأُسِّسَا على يد مجموعتين متنافستين من عمال أحواض السفن. المباراة الأخيرة بين الفريقين تعود إلى أغسطس 2009 في كأس رابطة الأندية، وشهدت أعمال عنف تخللها عراك بين عصابات شوارع، ما أدى إلى طعن أحد المشجعين. لكن المواجهات العنيفة بين المشجعين أصبحت نادرة في يومنا هذا، بسبب السياسة المناهضة لمفتعلي الشغب "هوليجانز"، التي طُبِّقَتْ في الأعوام الثلاثين الأخيرة. لكن التوتر بين "الزمر" المختلفة لم يختفِ تماما، وأبرز دليل على ذلك ما حصل الشهر الماضي خلال مباراة وست هام وتوتنهام، عندما رفعت جماهير الأول في مدرجات ملعب الجار اللدود شعارات معادية للسامية، وذلك لإثارة حفيظة جماهير "سبيرز"، النادي الذي ارتبط تاريخيا بالمجتمع اليهودي في لندن. لكن في أغلب الأحيان يتم التعبير عن العداوة بطريقة أكثر سلمية و"طفولية"، فجمهور أرسنال أصبح له يوم يحتفل فيه أطلق عليه اسم "توتيرنجهام داي"، وهو اليوم الذي يتأكد فيه حصول فريقهم على عددٍ كافٍ من النقاط التي تُخَوِّلُهُ أن ينهي الموسم أمام جاره اللدود، وهذا حال الفريقين منذ 15 عاما. والمشجعون يعشقون عادة التهجم على اللاعبين الذين تركوا فريقهم من أجل الانتقال إلى "العدو"، كما الحال بالنسبة لأشلي كول، الذي أطلق عليه جمهور أرسنال لقب "كاشلي كول" (كاش تعني الأموال) منذ انتقاله إلى تشلسي. وستكون العاصمة الإنجليزية هادئة في عطلة نهاية الأسبوع المقبل في ظل غياب مواجهات الدربي فيها، وهذا الأمر لا يحصل سوى مرة واحدة كل ثلاثة أسابيع تقريبا، لكن الوضع قد يتغير الموسم المقبل في حال نجح كريستال بالاس، الفريق اللندني الأفضل ترتيبا في الدرجة الأولى من جاريه ميلوول وتشارلتون، في الصعود إلى الدوري الممتاز. ولو حصل هذا الأمر، قد تتواجد سبعة أندية من العاصمة في دوري الأضواء، وهذا ما لم يحصل منذ انطلاق الدوري الممتاز قبل 20 عاما، لكن بشرط ألا يهبط كوينز بارك رينجرز إلى الدرجة الأولى، لأنه يقبع حاليا في المركز الأخير دون أي انتصار.