من يقرأ الصحف الإيرانية فى اليومين الماضيين يجد نزعة هائلة للعداء تجاه المملكة العربية السعودية، بل محاولات لتوصيف الأمر وكأن المملكة على شفا الانهيار الذاتى بسبب انتفاضة شعبية ضد النظام القائم هناك. وذلك بسبب إقدامها على إعدام من يصفونه ب«عالم دين شعى معتدل» على حد تعبيرهم. وهناك من يحاول أن يصور أن المقارنة ممكنة بين الانتفاضات العربية وما حدث من إعدامات فى المملكة. وهذه مقدمات خاطئة تفضى إلى نتائج خاطئة. ولنبدأ بتسلسل الأحداث. هاجم متظاهرون إيرانيون مساء السبت مبنى السفارة السعودية فى طهران وأحرقوه تعبيراً عن غضبهم إثر إعدام الرياض رجل الدين السعودى الشيعى نمر النمر الذى ثبت تحريضه وإثارته للفتنة فى المملكة. ولأن الانتماء الطائفى أهم من الانتماء الوطنى فى العرف الإيرانى، أثار إعدام السلطات السعودية للشيخ نمر النمر غضباً عارماً فى إيران، واعتبر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية على خامنئى يوم الأحد أن السعودية ستواجه «النقمة الإلهية» جرّاء قيامها بذلك. ومع التصعيد الإيرانى أعلنت المملكة العربية السعودية، الأحد 3 يناير، قطع جميع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وأمهلت البعثة الدبلوماسية الإيرانية 48 ساعة لمغادرة أراضيها. وقال وزير الخارجية السعودى عادل الجبير إن وزارة الخارجية أبلغت السفير الإيرانى بالقرار. وأوضح الوزير السعودى أن «لدى النظام الإيرانى سجلاً كبيراً فى الاعتداء على السفارات، ونحمّل السلطات الإيرانية مسئولية الاعتداءات على سفارتنا فى طهران». واتهم «الجبير» إيران بتهريب الأسلحة والمتفجرات إلى المنطقة، وبأنها توفر ملاذاً آمناً لقيادات القاعدة منذ العام 2001. واعتبر «الجبير» أن «تاريخ إيران ملىء بالتدخلات السلبية والعدوانية فى الشئون العربية ودائماً ما يصاحبه الخراب والدمار»، حسب قوله. ورأى أن الاعتداء على السفارة فى طهران والقنصلية فى مدينة مشهد يشكل «انتهاكاً صارخاً لكافة الاتفاقيات والمواثيق والمعاهدات الدولية». وأشار «الجبير» إلى أن «إيران تنشر الإرهاب والطائفية فى الشرق الأوسط»، وتابع: «إيران هُزمت فى اليمن ولن تتمكن من إنقاذ الأسد». كما أكد «الجبير» أن «السعودية مصرة على عدم السماح لإيران بتقويض أمنها». وفى تحرك سريع، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية السعودية أسامة نقلى مساء الأحد 3 يناير، أن السلطات السعودية قامت بإجلاء عائلات الدبلوماسيين السعوديين من طهران على متن طائرة تابعة لشركة طيران الإمارات، أقلعت مساء الأحد، عقب الهجوم على السفارة السعودية فى طهران والقنصلية السعودية فى مشهد، مشيراً إلى أنهم وصلوا دبى ليتوجهوا لاحقاً إلى المملكة السعودية. هذا وتزامن وصولهم مع إعلان الرياض قطع علاقاتها مع طهران. وأوضح المتحدث أن «عدد أفراد الوفد الدبلوماسى السعودى وعائلاتهم يبلغ 47 شخصاً، وأن السلطات الإيرانية أعاقت مغادرتهم فى بادئ الأمر، قبل أن تسمح لهم بعد ذلك». حاولت إيران تبرئة نفسها، فأعلن المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية أن «إيران ملتزمة بتوفير الأمن الدبلوماسى على أساس المواثيق الدولية. لكن السعودية التى تعيش على إطالة أمد التوترات استغلت هذه الواقعة كمبرر لإذكاء التوترات»، مؤكداً أن الدبلوماسيين الإيرانيين لم يغادروا السعودية بعد، وكانت السعودية أمهلتهم مساء الأحد 48 ساعة لمغادرة البلاد. طيب ماذا عن المستقبل؟ أكثر دول العالم قدرة على تخفيف حدة التطور بين السعودية وإيران مؤقتاً هى روسيا التى أعلنت عن أسفها لتصاعد التوتر بين السعودية وإيران، كما أبدت استعدادها للعب دور الوساطة بينهما لتسوية الخلافات. وقال مصدر دبلوماسى فى الخارجية الروسية: «نحن نعبّر عن أسفنا لتأزُّم العلاقات بين أكبر دولتين فى العالم الإسلامى، وأكثرهما نفوذاً فى المنطقة وفى سوق النفط العالمية». وهذان البُعدان الأخيران يجعلان الصراع بين الدولتين عالمياً وليس فقط محلياً: النفوذ الكبير فى المنطقة وسوق النفط العالمية. ثقل الدولتين وحجم تأثيرهما سياسياً واقتصادياً يجعل التصعيد ليس فى مصلحتهما أو مصلحة العالم. نحن نقف مع المملكة العربية السعودية ليس بحكم الانتماء العربى والسنى فقط، ولكن لأن إيران ما تدخلت فى منطقة أو دولة إلا وأذكت الخلافات الطائفية والصراعات الإقليمية، وهو ما لا يتفق مع استقرار المنطقة ورغبة أهلها فى العيش فى سلام. واجبنا تجاه المملكة وحق أهلها علينا أن يعلموا أننا معهم فى مواجهة من يتآمرون عليهم وعلى المنطقة.