فوجئ العالم بالطائرة العسكرية الروسية وهى تسقط على الحدود السورية - التركية. الرئيس الروسى كان سريع الطلقات، عندما قال غاضباً: «إن الطائرة الروسية التى أسقطتها تركيا كانت داخل الأراضى السورية وعلى بُعد (4) كيلومترات من الحدود التركية - السورية، وإنها لم تشكل أى تهديد لتركيا». ولكن أخطر ما قاله «بوتين» بهذا الشأن: «إن الحادث المأساوى هو طعنة فى الظهر، وسيكون له تبعات وخيمة على العلاقات بين روسياوتركيا،» ثم أوضح «بوتين» فى كلمته أن «الطرف التركى توجه إلى حلف الناتو». ثم أشار «بوتين» إلى أن كل دولة لها مصالحها الإقليمية وأن روسيا تتعامل مع ذلك بكل احترام، ولكن روسيا لن تتحمل أن تحصل جرائم مثل ما حصل اليوم. ماذا يحمل الصراع بين «الناتو» - تركيا - روسيا؟ وقال «بوتين» كذلك: «إن الطائرة الروسية كانت فى مهمة ضد تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام أو ما يُعرف بداعش»، مشيراً إلى أن «تركيا من المفترض أن تكون بصفوف هؤلاء الذين يقاتلون التنظيم»، ثم توعد فى حديثه قائلاً: «سنقوم بالتحقيق وتحليل كل ما جرى». هذا هو الحدث بكل بساطة، ولكن هذا الحادث قد يحمل فى طياته تبعات أكبر مما قد يظن البعض، فتركيا عضو فى الناتو، ولها حقوق فى الناتو وعليها مسئوليات وواجبات، وترى تركيا أنها أنذرت الطائرة العسكرية الروسية عدة مرات، دون أن تهتم الطائرة بالإنذارات، وقد أسقطت فقط بعد اختراقها الأراضى التركية. الناتو يراقب مسلسل الأحداث منذ سقوط الطائرة، والمفوضية الأوروبية تتابع تطور الأحداث أيضا، وكذلك الأممالمتحدة. الصورة فى المنطقة العربية فى غاية التعقيد والخطورة، ولا تكاد تخلو من هذه الخطورة دولة من الدول العربية، تركيا على الحدود مع سوريا، من المفترض أنها تحارب «داعش» ولكنها فى ذات الوقت تشترك مع أمريكا فى برانج ومشروعات منها: تدريب وتأهيل معارضة مسلحة سورية معتدلة، إن ذلك لشىء عجاب!! متى يكون المسلح الذى تدربه أمريكا مسلحاً معتدلاً؟. قد يتفق الطرفان على خطورة «داعش» وضرورة محاربة «داعش» بسبب الإرهاب الذى أحدته فى المنطقة، ولكن الطرفين قد تختلف رؤيتهما بشأن بشار الأسد ومستقبله، ومستقبل سوريا -فى وجوده ولو مؤقتاً- على رأس الحكم فى سوريا. أنا شخصياً أرى أن خطورة الأوضاع فى المنطقة، تشمل تعدد أطراف الصراع فى سوريا، حيث انتقل إليها الصراع السنى - الشيعى المعقد تاريخياً، والمعارضة للحكم فى سوريا اليوم تضم كل الألوان أو ألوان الطيف، لأول مرة قد تتفق أمريكا والغرب عموماً مع روسيا منذ الصراع فى أفغانستان الذى استمر عقدين من الزمن بشأن خطورة الأوضاع وضرورة مواجهة الإرهاب الداعشى، وخصوصاً بعد أحداث باريس الأخيرة الإرهابية. القضية هنا واضحة، وليست عملاً إرهابياً كما حدث للطائرة الروسية فوق سيناء، ورد الفعل الروسى العنيف على ذلك الحادث. أما اليوم فقد أعلنت وزارة الدفاع التركية مسئوليتها عن إسقاط الطائرة الروسية بعد اختراقها، كما تقول تركيا، للأجواء التركية، وتجاهلها إنذارات عديدة، من قِبل سلاح الجو التركى. أخطر ما فى هذا الموضوع أن الانشغال عن مواجهة الإرهاب بأية قضايا ولأية أسباب قد يدعو لطول بقاء «داعش» واستفادتها من مجمل المواقف، ومن الصراع أو الاختلاف بين من يقومون بمحاربة الإرهاب أو من يزعمون ذلك. أما روسيا المجروحة، فإنها تصر على أن الطائرة كانت على ارتفاع ستة آلاف متر على الحدود داخل الأراضى السورية -كما سجلته وسائل المراقبة الإلكترونية- وأنها تسعى لمعرفة مصير الطيارين اللذين تمكنا من القفز من الطائرة. يمثل حادث الطائرة الروسية التى أسقطتها تركيا نقطة جديدة أو عنصراً جديداً فى زيادة رقعة الصراع فى المنطقة، فضلاً عن تعقيدات الصراع فى سورياوالعراق وليبيا واليمن والصومال، وعلى الحدود بين كل دولتين جارتين حتى بين مصر والسودان، بسبب حلايب وشلاتين وإجراء الانتخابات البرلمانية المصرية فيهما، وللأسف فإن كل صراع لا يحله العرب ودياً، يعطى ذريعة للتدخل الأجنبى بشكل أو بآخر. كانت السودان جزءاً من مصر واستقلت السودان ثم انقسمت السودان، فلماذا يكون الصراع على حلايب وشلاتين؟ سؤال يحتاج فى حله إلى عقل ومنطق. والله الموفق.