صحيفة إثيوبية نشرت تصريحاً لوزير خارجية الدولة قال فيه: «مصر الآن ضعيفة لا تستطيع أن تخوض حروباً فى الوقت الراهن، نظراً لما تعانيه من مشكلات فى الاقتصاد، والحرب التى تخوضها على الإرهاب فى سيناء». أكد البعض أن هذا التصريح نُشر فى جريدة إثيوبية واحدة، ورجحوا أن الجريدة لم تنقل تصريحات الوزير بدقة. ودعونا نسلم بأن وزير الخارجية الإثيوبى لم يقُل هذا التصريح من الأساس، لكن هل هذا يمنع من أن إثيوبيا تدير معركة سد النهضة مع مصر طبقاً لهذا التوجه؟. هل يمكن أن يكابر أحد أن إثيوبيا تجتهد منذ شهور فى المماطلة والتهرب وفرض أمر واقع على الأرض، يفضى فى النهاية إلى بناء السد وتخزين مليارات الأمتار من مياه النيل خلفه، بما لذلك من تأثيرات شديدة السلبية على الأمن المائى المصرى؟. ثم ألا يعلم الجميع أن الوجدان الإثيوبى يختزن بداخله صورة سلبية لمصر، تتأسس على نظرة تاريخية إلى مصر كدولة غازية، وأن جوهر الغزو المصرى لبلادهم ارتبط بالسيطرة على مياه النيل؟. هناك عوامل عديدة تجعلنا نتقبل فكرة أن إثيوبيا تتعامل مع موضوع «سد النهضة» من منطلق نظرة «استضعاف» إلى مصر، تعمق منها استدعاءات غير متزنة تبحث عن ثأر تاريخى، وأساس الاستضعاف يرتبط بفهم إثيوبى يذهب إلى أن مصر لن تستطيع فى ظرفها الحالى، وفى ظل تعدد الجبهات المفتوحة عليها، على مستوى الأوضاع الاقتصادية، ومواجهة الإرهاب، أن تواجه هذا النزق الإثيوبى، وأن الفرصة سانحة الآن لتحقيق نصر تاريخى على المحتل المصرى، من خلال القضاء على آماله فى حماية حقوقه التاريخية فى مياه النيل!. وصول المشهد إلى هذا الحد يقتضى رداً حاسماً وحازماً من صانع القرار المصرى، خصوصاً إذا أخذنا فى الاعتبار ما تم الإعلان عنه من أن الاجتماع الثلاثى بين مصر وإثيوبيا والسودان الذى كان من المزمع عقده لمناقشة ملف السد الإثيوبى نهاية هذا الشهر تم تأجيله بمعرفة وزير الرى السودانى فى ظل الأزمة الحالية مع دولة السودان. ذلك القطر الشقيق الذى يرى هو الآخر أن أوضاعنا الحالية فرصة للمناورة بكارت السد الإثيوبى، للحصول على مكاسب يزعمها فى «حلايب وشلاتين». بإمكانى أن أتفهم أن صانع القرار المصرى يريد أن يصل إلى سقف المحاولات القائمة على التفاوض لحل مشكلة السد وحفظ حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل، لكننى بحال لا أستطيع أن أتفهم أن يقف مكتوف اليدين، وهو يرى أن المفاوضات وصلت به إلى طريق مسدود، فى الوقت الذى تواصل فيه إثيوبيا رفع بنيان السد، وليس بإمكان أى مصرى أن يتقبل أن تعاملنا دول بمنطق أن «الأسود إذا شاخت رقصت على أكتافها القرود». لا بد من رسالة رد واضحة وحاسمة يفهم منها الجميع أنهم مخطئون فى تصوراتهم، وأن مصر قد تكون مرهقة، لكنها قادرة على حماية حقوقها، وأن هذا البلد دقت على رأسه طبول كثيرة، ولا يزال باقياً وقادراً على الاستمرار، ولا مانع من أن نواجه طبلة «السد» التى تدق الآن فوق رؤوسنا!.