حقوق إنسان النواب تبحث مع وفد الحوار المصري–الألماني سبل تعزيز العدالة والمواطنة    أحباط زواج قاصر في يوم زفافها بقنا    ارتفاع سعر الجنيه الذهب خلال التعاملات المسائية الخميس 12 يونيو    ترامب يعرب عن استيائه من روسيا وأوكرانيا    الجيش الإسرائيلي يوجه تحذيرًا عاجلا لسكان عدة مناطق في غزة    الأهلى بين كبار العالم    فلسطين تتقدم بشكوى للفيفا بعد ضياع حلم التأهل لكأس العالم 2026    إنتر ميامي في كأس العالم للأندية 2025| الحلم الأمريكي بقيادة ميسي    الأرصاد: الموجة الحارة مستمرة خلال الأيام المقبلة| تفاصيل    مديحة حمدي تكشف الوصية الأخيرة للراحلة سميحة أيوب قبل وفاتها    الأحد.. ثقافة الفيوم تقيم ورشة مجانية لتعليم كتابة القصة    محافظ الدقهلية يشهد مؤتمر وحدات الكلى بنادي جزيرة الورد بالمنصورة    تجدد الجدل حول اكتشاف مزعوم بشأن مدينة تحت الأهرامات.. ما الحقيقة؟    الاتحاد الأوروبي يفرض رسوما جديدة على الواردات الزراعية من روسيا وبيلاروس    لعلاج دهون الكبد- تناول هذه المشروبات على الريق    السفير الأمريكى فى إسرائيل يعلن انحيازه لبن جفير وسموتريتش بعد فرض عقوبات عليهما    الداخلية تكشف حقيقة احتجاز «مُسنين» والتعدي عليهما بالضرب في المنوفية    بعد تعرضهما لوعكة صحية.. أحمد زاهر يوجه رسالة مؤثرة لابنته ملك ونجل تامر حسني    دعمهم لا يُنسى.. 3 أبراج لديها قدرة خارقة على مواساة الآخرين    "الشؤون الإسلامية" تكثّف جهودها التوعوية في مسجد التنعيم تزامنًا مع توافد المعتمرين    رسميًا.. جالاتا سراي التركي يعلن التعاقد مع ساني    وزير الصحة يستقبل مدير شركة «جنرال إليكتريك»    متحور كورونا الجديد «NB.1.8.1».. تحت المراقبة العالمية    "أكسيوس": نتنياهو طلب من الولايات المتحدة التوسط في المفاوضات الإسرائيلية - السورية    غودار وفلسطين.. حين عاد التجريبى الأكبر فى تاريخ السينما إلى «القضية» بعد صمت طويل    القصة الكاملة لسرقة الدكتورة نوال الدجوي.. من البلاغ لحفظ التحقيقات    فتح باب التقديم للالتحاق بالمدارس الرياضية للعام الدراسي الجديد بالمنوفية (شروط التقديم)    الأزهر للفتوى يعلق على شغل الوقت باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي    شروط سحب مبلغ جدية حجز شقق (سكن لكل المصريين 5) (التفاصيل كاملة)    عرض مالي ضخم يقرب سباليتي من تدريب النصر    ضمن المسرح التوعوي.. قصور الثقافة تختتم عرض «أرض الأمل» بسوهاج    وفد عمل مصر الثلاثي يُشارك في منتدى «التحالف العالمي للعدالة الإجتماعية»    وزير الري: مصر تقوم بإدارة مواردها المائية بحكمة وكفاءة عالية    إنارة رافد جمصة على طاولة التنفيذ بتنسيق مكثف بين الجهات المعنية    وزير الاستثمار: الدولة تولي اهتمامًا كبيرا بتطوير قطاع التأمين    أشرف صبحي: نادي سيتي كلوب إضافة نوعية لخريطة المنشآت الرياضية بدمياط    كوريا الجنوبية: بيونج يانج تعلق البث المناهض عبر مكبرات الصوت    قافلة جامعة المنوفية توقع الكشف الطبي على 440 من أهالي «ميت أم صالح»    وزير البترول: مشروع إنتاج حامض الفوسفوريك تحرك هام لتعزيز الصناعات التحويلية    "دخل حسابي 1700 يورو؟".. أحمد حمدي يثير الجدل بمنشور جديد    ريال مدريد يحسم صفقة الأرجنتيني فرانكو ماستانتونو حتى 2031    مصر تعرب عن خالص تعازيها لجمهورية الهند في ضحايا تحطم طائرة غرب البلاد    حجز والدي عروس الشرقية على ذمة التحريات في واقعة زفاف عريس متلازمة دوان    عبد الخالق فريد مديرًا لمهرجان بورسعيد السينمائي الدولي    عبد العاطي يؤكد ضرورة الحفاظ على السودان وصون مقدّراته    رسميًا.. رابط الاستعلام عن نتيجة مسابقة تعيين 20 ألف معلم مساعد للغة الإنجليزية    انخفاض تكلفة التأمين على الديون السيادية لمصر لأدنى مستوى في 3 سنوات    التحفظ على سلع غذائية ولحوم فاسدة في حملات تموينية موسعة ب قنا    محافظ المنيا: إزالة 215 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة والبناء المخالف    بدء تسليم أراضي "بيت الوطن" بالعبور الجديدة الأحد 22 يونيو    مدير تعليم القليوبية لمصححى الشهادة الإعدادية: مصلحة الطالب أولوية عظمى    تصادم دموي بوسط الغردقة.. إصابة 5 أشخاص بينهم طفل في حالة حرجة    20 مليون جنيه مخدرات وسقوط 5 خارجين عن القانون.. مقتل عناصر عصابة مسلحة في مداهمة أمنية بأسوان    إسرائيل.. المعارضة غاضبة لفشل حل الكنيست وتهاجم حكومة نتنياهو    مراد مكرم ساخرًا من الأوضاع والنقاشات في الرياضة: بقى شغل عيال    أنغام تدعو بالشفاء لنجل تامر حسني: «ربنا يطمن قلبك وقلب أمه»    حكم توزيع لحوم الأضحية بعد انتهاء أيام عيد الأضحى    آداب الرجوع من الحج.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.




نشر في الوطن يوم 21 - 11 - 2015

لا أعرف مدينة فى هذا الشرق الأوسط حظيت بطوفان من المشاعر المتناقضة مثل مدينة شرم الشيخ.. فهى فى وجدان الغالبية العظمى من المصريين تلك الجنة الطبيعية الخلابة التى اختطفتها الرأسمالية المتوحشة فى النصف الثانى من فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وهى أيضاً المنتجع الاختيارى وقصره الرئاسى الذى اعتاد أن يطل من عليائه على رعاياه الغارقين فى أوحال الفقر والبطالة والجريمة والتناسل العشوائى والبيوت الضيقة المحرومة حتى من الهواء والشمس.. وهى كذلك البقعة التى شاءت لها أوكار الإجرام السياسى الدولى أن تكون منصة إقليمية لتجديد السيطرة على المنطقة فى مؤتمرات قمم، كان كل منها يبدأ بأكاذيب وينتهى بكوارث جديدة أدت فى نهاية المطاف إلى ما وصلت إليه المنطقة الآن من خراب وتفكك وإرهاب وفوضى عارمة.
ولكن شرم الشيخ، قبل هذا وبعده، هى قطعة غالية من خريطة مصر ومن جغرافيا الجمال الطبيعى الفاتن.. تقع على مساحة 480 كيلومتراً مربعاً عند ملتقى قارتَى آسيا وأفريقيا فى أقصى الجنوب الشرقى لشبه جزيرة سيناء، ولا يملك كل مَن يطالعها من الجو أو يقطع طرقاتها البرية إلا أن تسكنه هذه المدينة طيلة حياته، وأن يظل سحرها ومهابة جبالها بألوانها المدهشة ومبانيها البيضاء المنثورة فى تخطيط هندسى خلاب وبحرها الغنى بأندر ثروات بحار العالم كله، وهوائها شديد النقاء، وسمائها البكر، كل هذا يظل فى وجدان مَن يزورها لأول مرة، وكأنه ندَّاهة مسيطرة لن تترك الزائر فى حاله أبداً، حتى يعود إليها وكأنها البلسم الشافى من قبح وبشاعة الحياة.
ولهذا كله أصبحت شرم الشيخ خلال أكثر من عشرين عاماً المقصد الأهم للشرائح العليا من الطبقة المتوسطة فى العديد من دول العالم، وخلال شهور الشتاء الأوروبى القارس تحولت «شرم» -ومعها الأقصر وأسوان- إلى واحة دافئة لأشعة الشمس التى لا تغيب عنها لأكثر من عشر ساعات فى اليوم، وخلال سنوات الاستقرار والرواج السياحى قبل ثورة «25 يناير»، كانت شرم الشيخ من أهم روافد توليد فرص العمل والدخل لآلاف المصريين، وأهم مصادر ضخ العملات الأجنبية فى عصب الاقتصاد المصرى. ولعل هذا الدور تحديداً هو الذى وضعها على قمة أجندة الإرهاب، فكلما شارف الاقتصاد المصرى على التعافى من آثار الركود، وكلما انتعشت محفظة الاحتياطى الأجنبى المصرى واقتربت من الوصول إلى حد الأمان، اختار الإرهاب الموجَّه من إسرائيل وأمريكا، شرم الشيخ أو طابا، لتكون أى منهما مسرحاً لحادث إرهابى غادر، أو لسقوط غامض لطائرة ركاب ومقتل كل مَن على متنها.. ولعل شرم الشيخ أيضاً هى من المدن الفريدة فى العالم التى أقيمت على أرضها نصب تذكارية لضحايا طائرات الركاب، مثلما حدث مع النصب التذكارى لضحايا طائرة شركة «فلاش» المصرية التى سقطت فى يناير 2004 ومات فيها 148 سائحاً، بينهم 133 فرنسياً!.
الضربة الغادرة اختارت هذه المرة طائرة ركاب روسية، فى وقت تحولت فيه روسيا إلى لاعب رئيسى فى منطقة الشرق الأوسط يزاحم الولايات المتحدة الأمريكية التى انفردت بالتلاعب بالمنطقة خلال الأربعين عاماً الأخيرة، وتمكنت من تخريبها ونهب ثرواتها وإضعاف دولها، وباعت للكثير من دولها أسلحة لم تكن بحاجة إليها على الإطلاق، ثم أرغمت هذه الدول على تمويل جيوش الإرهاب الجوالة لإسقاط أنظمة حكم عربية وتخريب دول أخرى، وجاءت الضربة هذه المرة مزدوجة لتطال التقارب المصرى - الروسى، والسياحة الروسية إلى مصر، فى توقيت كنا فيه أحوج ما نكون إلى هذه المساندة.
والزائر لشرم الشيخ هذه الأيام -وخصوصاً بعد مغادرة الآلاف من السائحين الأجانب- لا يملك إلا أن يشعر بالفجيعة وهو يرى حركة الإخلاء تتم بسرعة شديدة، ويشاهد المنشآت السياحية الشاسعة وهى تكاد تخلو تماماً من السائحين الأجانب، ومشاعر الفجيعة يتعلق معظمها بآلاف الموظفين والعمال المصريين الذين فقدوا وظائفهم، وآلاف غيرهم فقدوا نصف أجورهم، ثم هناك آلاف آخرون من مستأجرى البازارات والمحلات فى «السوق القديم وخليج نعمة»، وأصحاب المحلات والصيدليات فى البلد كله، وهم يقضون أياماً عديدة دون بيع أو شراء.
لقد نزل الحادث الأخير على رؤوس هؤلاء تحديداً كصاعقة غادرة، لأنهم فى النهاية لا يملكون مدخرات تحميهم أثناء شهور البطالة التى لا يعرف أحد متى ستنتهى، ولأنهم لم يجدوا أحداً يقف إلى جوارهم، فكل المساندة -كما يرون- ستذهب إلى كبار المستثمرين فى شرم الشيخ، الذين أخذوا الأراضى بتراب الفلوس، وحصلوا على قروض ضخمة من البنوك لبناء الفنادق والمنشآت السياحية العملاقة، وتفننوا طيلة ربع قرن فى التهرب من الضرائب وإعادة جدولة فوائد القروض وإسقاطها مرات عديدة، بينما تحولوا الآن فى ظل هذه الأزمة إلى «كرابيج» تجلد ظهور المستأجرين للمحلات والبازارات والشقق السكنية المملوكة لهم، إنهم -كما قال لى كثيرون هناك- يطلبون الرحمة والمساندة والدعم من الدولة، وسوف تمنحهم الدولة كل ما يطلبون وأكثر.. ولكنهم يرفضون وصول هذه الرحمة أو المساندة إلى الشريحة التى يركبون فوق ظهورها.
هل من سبيل للخروج من هذه الأزمة؟ السبيل الوحيد من وجهة نظر كبار المستثمرين فى شرم الشيخ هو عودة السائحين الأجانب وتخصيص مليارات جديدة من ميزانية الدولة للترويج السياحى فى الخارج.. وذلك أمر مستحيل فى ظل الظروف العالمية الراهنة، والسبيل الآخر كما يراه الضحايا الحقيقيون للأزمة هو أن تتاح شرم الشيخ للمصريين مثلما أُتيحت للأجانب، وأن يحصل السائح المصرى على الأسعار ذاتها والخدمات ذاتها المتاحة دائماً للأجانب.. فهناك حوالى 2 مليار دولار ينفقها السائحون المصريون فى تركيا وإيطاليا وإسبانيا وتونس والمغرب، وكلها للأسف أرخص من ذهاب المصرى بأسرته إلى شرم الشيخ.. وإذا نجحنا فى إرغام المستثمرين على قبول هذا الحل الثانى سنحافظ فى خطوة واحدة على آلاف فرص العمل هناك، وسنخفف الضغط على العملات الصعبة، ونوفرها لما هو أجدى وأنفع من الإنفاق الترفى على السياحة الخارجية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.