الطريقة التى تعامل بها رئيس الوزراء البريطانى مع موضوع الطائرة الروسية المنكوبة، خلال زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لبريطانيا، تفتقر إلى اللياقة، وتمنح من تابعها إحساساً بأن «كاميرون» استعار من الذاكرة الاستعمارية قميص المعتمد البريطانى أيام الاحتلال الانجليزى لمصر. بمجرد وصول «السيسى» إلى لندن، تعمّد «فيليب هاموند»، وزير الخارجية، الخروج إلى وسائل الإعلام ليعلن أن لدى الحكومة البريطانية معلومات استخباراتية تشير إلى أن انفجاراً وقع داخل الطائرة الروسية أدى إلى سقوطها، وبعده خرج دافيد كاميرون ليردد نفس الكلام، ويعلن وقف الرحلات إلى سيناء وإجلاء السياح البريطانيين من مصر عن طريق «قبرص». المعتمد البريطانى «دافيد كاميرون» تعمّد ترديد هذه المعلومات فى وجود «السيسى»، رغم أنه كان من الممكن أن يعلن عنها وعن قرار بلاده تعليق الطيران فوق سيناء بعد سقوط الطائرة مباشرة كما فعلت دول أوروبية أخرى مثل ألمانياوفرنسا، فمؤكد أن هاتين الدولتين اتخذتا قرارهما بناء على معلومات شبيهة بتلك التى رددها «كاميرون»، لكن «المعتمد» تعمّد أن يؤجل إعلان معلوماته وقراراته إلى حين وصول «السيسى». كذلك من المؤكد أن «كاميرون» يفهم أن وضع قنبلة على متن طائرة -لو صحت المعلومات التى ذكرها- عمل إرهابى يستحق الإدانة، لكن ذلك لم يشغله كثيراً، وهو أمر طبيعى، فالعاصمة البريطانية تشكل مأوى لرموز الإرهاب، وربما تكون عاصمة «المعتمد» المحطة التى تم تخطيط هذه العملية منها، لأننا لو قبلنا فرضية أن الطائرة الروسية سقطت بفعل قنبلة فعلينا أن نفهم أن هذه العملية لا بد أن أجهزة دول كبرى ساعدت فيها ووقفت وراءها، وليست الجماعة التى قامت بذلك سوى أداة فى يد من يحركها. كنت أتوقع أن يدين الرجل الإرهاب، ويلعنه لعناً كبيراً، كما حدث مثلاً بعد مذبحة «شارلى إبدو» بفرنسا، كان الأولى به أن يأخذ إخوانه من رؤساء وزعماء أوروبا ويدعوهم إلى تنظيم مسيرة فى مصر، كما فعلوا فى فرنسا، للتنديد بالإرهاب، لكن يبدو أنه يرى أن ثمة فارقاً بين الإرهاب الذى حصد أرواح الصحفيين الفرنسيين، والإرهاب الذى حصد أرواح المواطنين الروس من ضحايا الطائرة المنكوبة! هذا ما كان يليق به، ولكن كيف يفعل وبأى عين يمكنه أن يفعل، وهو يرغب فى الضغط على الروس، وعلى المصريين فى السكة، بموضوع السقوط الإرهابى للطائرة الروسية، خدمة للولايات المتحدةالأمريكية؟ والكل يعلم أن أغلب رؤساء وزراء بريطانيا يفضلون العمل تحت مظلة الولاياتالمتحدةالأمريكية. لست أدرى الحسابات التى اعتمد عليها قرار الرئيس الذهاب إلى بريطانيا فى هذا التوقيت، لكن الأحداث التى شهدتها الزيارة تؤشر إلى أن التوقيت الذى تمت فيه لم يكن الأنسب. كل خطوة لا بد أن يسبقها تقدير جيد للموقف، واستيعاب كامل لحجم هذا البلد الذى يجب أن يفهم أهله وزنه الحقيقى الذى لا يخصم منه مطلقاً ما نعانيه من مشاكل وانكفاءات. ومهما كان بين أبنائه من خلافات لا بد أن يحرص الجميع على صون مهابته، حتى لا يخرج علينا مسئول مثل «كاميرون» مرتدياً عباءة «اللورد كرومر»!