خرج «برهان» من عشته الكائنة على مقربة من وادى الملوك فى برارى الأقصر القاحلة تاركاً هناك جمله اليتيم وأخذ يسرع الخطا نحو المقبرة التى اكتشفها بعد جهد جهيد، وكانت تتبعه عن كثب ابنته «بسيمة» حاملة صرة الطعام وزمزمية ماء، وسرعان ما وصل الرجل إلى بغيته ودخل المقبرة، بينما وقفت ابنته بالخارج، وواصل «برهان» الحفر حتى أمسك بكنزه وأخذ يعبئ الأقراط الذهبية فى داخل كيس من الجلد حتى فرغ من مهمته، ثم مد الرجل بيده وناول ابنته الكيس، وما إن شرع فى مغادرة المقبرة حتى انهار السقف وسد المدخل وصارت المقبرة الفرعونية هى قبره. وتجمدت الصبية فى مكانها لحظات من فرط الذهول ثم لم تلبث أن تمالكت روعها، فقامت من رقدتها وحملت الكيس ويممت مسرعة صوب عشتها، ثم أخذت تحفر فى أرض العشة وخبأت الكنز فى قلب الحفرة، ثم عاودت ردمها وغطتها بأحد الأكلمة البالية الكائنة داخل العشة. ودارت الأيام دورتها وتزوجت «بسيمة» من أحد البدو وهو جارها «عتمان»، ولم تلبث أن أنجبت منه طفلها الأول «حسيب»، وبعدها بعام واحد رزقت بأنثى وسمتها «بثينة»، وبعد زمن قليل مرضت «بسيمة» بداء الصدر، وفى ساعة احتضارها أشارت إلى ابنها «حسيب» وأخبرته بسر الكنز المخبوء فى أرض العشة. وظل «حسيب» محتفظاً بسره وقد عول على الانفراد بالكنز لنفسه، وكان الشقاء يعتصر والده الشيخ ويعذب أخته الصغيرة، ولكن الفتى أصر على عناده بكتمان سره، وحتى جاء مساء ودلف «عتمان» الشيخ إلى داخل عشته مكدوداً خائر القوى، واحتضن الرجل ولده الذى لم يطق صبراً بعد فقال محدثاً والده الشيخ: - يا أبى.. إن فى باطن العشة كنزاً كان لأمى. وربت «عتمان» الشيخ على ظهر ولده قائلاً: - منذ ماتت أمك وأنا أعلم.. وقد انتظرتك أن تخبرنى بنفسك. وأجاب الفتى «حسيب» بعدما تمالك روعه: - ولسوف يعوضك الكنز عن الشقاء الذى عانيت منه طويلاً يا أبى.. وتنهد «عتمان» الشيخ، ثم قال لولده فى تؤدة وهو ينظر إليه فى إمعان: - الشقاء الذى اعتدنا عليه يا ولدى.. خير لنا من المال الحرام!