تكررت الدعوات التي تطالب بتقسيم العراق من قبل مسؤولين أمريكيين، في السنوات الأخيرة، ما يسلط الضوء على السياسية التي تتبعها الإدارة الأمريكية تجاه العراق، وسط مطالبات من الإدارة نفسها بتكوين عراق موحد لمواجهة تنظيم "داعش" الذى بات يسيطر على مساحات شاسعة هناك. "المصالحة بين الشيعة والسنة تزداد صعوبة وتقسيم العراق ربما يكون الحل الوحيد"؛ هكذا صرح رئيس أركان الجيش الأمريكي المنتهية ولايته خلال مؤتمر صحفي في 12 أغسطس 2015. وفي رده على سؤال عن فرص المصالحة بين السنة والشيعة، قال رئيس الأركان الأمريكي ريموند أوديرنو، إن "العراق ربما لن يبدو في المستقبل كما كان عليه في الماضي". وأضاف "أوديرنو"، الذي سلم مهام منصبه الجمعة الماضي، إلى خلفه الجنرال مارك ميلي، أن في العراق 3 مكونات قد تمثل أساسًا ملائمًا للتقسيم، الأكراد الذين يتمتعون بالفعل بحكم ذاتي، والسنة، والشيعة. لكنه أعرب عن اعتقاده بأن الكيفية التي يمكن أن يتم بها هذا التقسيم "تعود إلى المنطقة والسياسيين والدبلوماسيين". فكرة تقسيم العراق إلى 3 دول ليست بالجديدة في الطرح الأمريكي، فسبق لوزير الخارجية الأسبق، هنري كيسنجر أن دعا في مارس 2006، إلى تقسيم العراق إلى 3 مكونات، مرجحًا أن يكون مصير العراق كمصير يوغسلافيا السابقة. ودعا نائب الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، عندما كان نائبًا عن الحزب الديموقراطي في الكونجرس الأمريكي في مايو 2006، إلى تقسيم العراق إلى 3 مناطق كردية وسنية وشيعية يتمتع كل منها بحكم ذاتي معللا دعوته بأنها الحل الأفضل لتجنب تمزيق العراق عبر العنف الطائفي؛ إلا أنه تراجع عن تصريحاته فيما بعد، مناديًا بعراق موحد لمواجهة تنظيم "داعش". مطالبات الخارج بشأن تقسيم العراق، قوبلت بدعاوى من الداخل العراقي، بشأن الاستقلال، والشاهد على ذلك دعوات الأكراد باستقلالهم عن العراق، كما جاء على لسان رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني في أكثر من مناسبة. تخبط في السياسية الأمريكية
يقول الدكتور عبدالسلام المحمدي، السياسي العراقي، إن التصريح يدل على انعدام الرؤية الاستراتيجية للإدارة الأمريكية، مشيراً إلى تصريحات رئيس الأركان الأمريكي الأسبق تأتي من منظور عسكري ، مقارنة بتصريح القنصل الأمريكي المتواجد في البصرة الذي قال إن: "الولاياتالمتحدةالأمريكية تثمن الدور السياسي للقادة العراقيين بتبنى الاصلاحات التي أقرها العبادي"، و أشار إلى موقف مجلس النواب العراقي" وهنا يتضح الفارق بين تصريحات الدبلوماسي والعسكري. ويضيف "المحمدي" في تصريحات خاصة ل"الوطن"، أن الدور الأمريكي في العراق يشهد حالة من التخبط في الفترة الأخيرة سواء على مستوى القرارات أو التصريحات من قبل الإدارة الأمريكية. وأشار السياسي العراقي، إلى دعوات التقسيم تعود إلى العام 2005، عندما قالت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، "نحن بصدد إنشاء شرق أوسط جديد" فالأمر ليس بالجديد، ولكن الملاحظ هنا هو التوافق الأمريكي الإيراني التام في المنطقة". ولفت إلى أن الإدارة الأمريكية، تريد أن تعيد دور شرطي الخليج لإيران، ولكن بصيغة مختلفة وهو دور "الشرطي العربي" ، كما كان الحال فى زمن الشاه الإيراني رضا بهلوي الذي يرعى مصالح الأمريكان فى منطقة الخليج العربي؛ بسبب التواجد الإيراني فى عدة دول عربية. وأردف أن دعوات التقسيم ليس المقصود بها العراق فقط، لأنه من الصعب تقسيم العراق، وأنه لن يتم إلا بتقسيم السعودية وسوريا وإعادة ترتيب اليمن، والسيطرة على باب المندب، مختتماً بأن الإدارة الأمريكية دائما ما تعمد إلى رمى الحجارة فى البركة الساكنة، لقياس ردود الأفعال وجس نبض حكومات المنطقة، وأن ما يحدث فى العراق الآن نتيجة لغياب الدور العراقي به. من جانبها أكدت الكاتبة العراقية لينا مظلوم، أن التصريحات الأمريكية بشأن تقسيم العراق، ليست بالجديدة، إنما ترجع إلى عام 2003 أثناء غزو العراق، مشيرة إلى أن أحد اسباب الغزو الأمريكي للعراق، هو تقسيم العراق. وأضافت في تصريحات خاصة ل"الوطن"، أن فكرة التقسيم لم تنجح في أحلك الظروف التي مرت بها العراق ، وأكثرها دموية، إلا أن تلك التصريحات أتت فى الوقت الذى تشهد فيه العراق مظاهرات وحدت العراقيين للمطالبة بإجراء إصلاحات.
ولفتت "المظلوم" إلى أن الشعب العراقي أصبح متوحد الآن ضد الوجوه التي أشعلت الفتنة بين الطوائف، ومولالي إيرن ،موضحة بأن تلك التصريحات تعكس التخبط فى استراتيجية إدارة أوباما الذي بات قريبا من توديع البيت الأبيض. وأشارت إلى أن فكرة استقلال الأكراد عن العراق ليست بالأمر الجيّد، لأن حدودهم مشتعلة مع إيران وسوريا، وأن ضمان بقاء قوي للأكراد يظل رهناً بالتواجد القوي للعراق. وأكدت الكاتبة العراقية، أنه يجب على الإدارة الأمريكية ،أن تترك مصير العراق للعراقيين، بعدما أدارت الإدارة الأمريكية ظهرها للعراق بعد الغزو، نظراً للأخطاء الكثيرة التي مارستها بحق الشعب العراقي.