كثير من المشروعات الكبيرة لا تقاس قيمتها وجدواها فقط بمعايير الكسب والربح المباشر، وإن كانت هذه المعايير مهمة فيجب أن يكون تحقيق الربح دائماً هدفاً، إنما أيضاً يجب أن تكون ركيزة للتنمية المستدامة التى تستهدف الإنسان لرفع مستوياته الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والإنتاجية، وتأتى العوائد والأرباح من خلال المشاريع التنموية اللاحقة، وينطبق هذا وبصفة خاصة على قناة السويس الجديدة التى تفتتح اليوم الخميس 6 أغسطس، فهى ليست مشروعاً مستقلاً لازدواج القناة فى اتجاهين، وإنما هى قاعدة بل الأساس لمشاريع عدة لتنمية إقليم قناة السويس، وهى تلك المنطقة المحيطة بمدن القناة بطول القناة والممتدة داخل سيناء. لقد أثبتت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة قدرة تنظيمية ومهارة كبيرة على إدارة المشاريع الكبرى التى تحتاج إلى خبرات خاصة، والتزام دقيق بالتنفيذ من خلال عدة شركات مصرية وأجنبية تمكنت فى الحقيقة من تحقيق هذا الإنجاز العظيم وفى الوقت المحدد سواء بحفر 35 كيلومتراً من الحفر الجاف ونقل جبال من الرمال، أو التكريك فى المياه لتعميق وتوسيع 72 كيلومتراً، الأمر الذى أدى فى النهاية لازدواج القناة، فهى كفاءة عالية وقدرة فائقة منذ إعادة افتتاح القناة عام 1975، بعد حرب أكتوبر لم تتوقف مشاريع تطوير القناة لكى تواكب تطور النقل البحرى والسفن العملاقة سواء سفن الحاويات أو سفن نقل البترول والغاز وزيادة الغاطس لها الأمر الذى تطلب دائماً أعمال حفر وتوسعة وتكريك للقناة، فقد كان أكبر غاطس للقناة يصل إلى 16 أو 17 متراً فى الثمانينات الآن يصل إلى 24 أو أكثر. الهدف هو استمرار قناة السويس ممراً بحرياً للتجارة الدولية التى سيظل النقل البحرى هو عمودها الفقرى الذى يعد النقل الأرخص للبضائع والبترول والغاز، السؤال الآن هل الإنجاز هو حفر وتوسعة لازدواج الممر الملاحى؟ فى الحقيقة ما تم حتى الآن هو تأسيس للبنية الأساسية للمشروعات الخاصة بتنمية إقليم قناة السويس وتعظيم العائد والقيمة المضافة للملاحة البحرية بإنشاء مناطق صناعية ولوجستية وخدمية تفتح الباب للتوظيف وتوفر فرص عمل وتعزيز التنمية المستدامة بإقامة مجتمعات جديدة فى هذا الإقليم الذى سيمتد بلا شك داخل سيناء. والذى يؤكد هذا التوجه هو البدء فى حفر أنفاق تربط شرق القناة بغربها وهذه الأنفاق لمرور السيارات والناقلات والسكك الحديدية مما يزيد ربط الوادى بسيناء وربط سيناء بالوطن الأم مصر. فهذا المشروع يساعد مصر فى الخروج من المأزق الاقتصادى بجذب استثمارات لشركات كبرى والاستفادة من وجود ممر مائى من أكبر الممرات المائية فى العالم ويضيف موارد إنمائية للدولة تستطيع أن تنتقل بالاقتصاد المصرى نقلة نوعية. لذلك كل ما يكتب للانتقاص من قيمة هذا المشروع الكبير لا يعبر عن الحقيقة، بل يسعى لتشويه الإنجاز فقط لاعتبارات الخلاف السياسى. الفوائد الحقيقية لهذا المشروع تضعه فى مصاف المشروعات التنموية الكبرى الذى يحقق إنجازاً ينعكس على الاقتصاد وعلى الشعب الذى عانى من أزمات اقتصادية بينما تقدمت دول فى الإقليم بمشروعات تنموية شبيهة. ولا يغيب عن المراقب أنه فى الوقت الذى نفتتح فيه هذا المشروع هناك دول فى الإقليم تسعى لتحقيق مشروعات مشابهة تتعلق بالتجارة الدولية للحصول على نصيب منها وأخص هنا إسرائيل التى تملك مشروعات منها ما يعتمد على النقل متعدد الوسائط؛ نقل بحرى ثم برى أو تشغيل أنابيب بترول وغاز من مصادر البترول إلى شاطئ البحر المتوسط، ولا شك أن هذا المشروع قد حطم هذه الآمال. هذا الإنجاز يعزز الثقة بقدرتنا على تنفيذ مشروعات كبرى ويعطى الأمل فى تنمية مستدامة طال انتظار نتائجها.