سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حكاية "مروة": 24 ساعة من الموت البطىء بعد الجرعة القاتلة «الطب الشرعى» شرّح جثة الطفلة.. وعمها: ذهبت للمستشفى فى حالة جيدة وطبيب أبلغنا بأنها ماتت بسبب المحلول الفاسد
خيم الحزن على عزبة «ملوكة» بمركز ببا التابع لمحافظة بنى سويف، بعد وفاة الطفلة مروة أحمد جمعة، 11 شهراً، فى حادث تسمم محلول الجفاف الذى أودى بحياة 6 أطفال من القرية وإصابة 10 آخرين خلال الأيام القليلة الماضية، ليصاب أهالى القرية بحالة من الفزع والرعب وسحب أطفالهم من مستشفى ببا العام، والذى يعد أقرب وأرخص مستشفى بالنسبة لأهالى العزبة الفقيرة. داخل بناية صغيرة من الطوب الأبيض، ترتفع عن الأرض ب3 أمتار، ومعروشة بعروق خشبية عريضة، يجلس «جمعة»، 21 سنة، على أريكة فى ساحة البيت، يهز رأسه من ألم الحزن على فراق صغيرته «مروة» التى فارقت الحياة أمام عينيه، بينما هو عاجز عن أن يفعل شيئاً لإنقاذ ابنته الوحيدة، يقول: «بنتى كانت سخنة عادى زى أى عيل بيسخن ولا يتعب ونوديه المستشفى، مش متخيل إنى آخدها وأروح بيها المستشفى وأرجع بيها ميتة»، ارتفعت حرارة الطفلة مروة فجر السبت الماضى، فقرر والداها الذهاب بها إلى مستشفى ببا العام ببنى سويف: «من ساعة ما وعينا على الدنيا وإحنا بنتعالج فى مستشفى ببا، هى فعلاً حالتها تعبانة والمعاملة فيها وحشة بس أهى على قدنا ودى اللى نقدر عليها»، وبعد وصوله إلى المستشفى مستقلاً دراجته النارية مصطحباً زوجته وصغيرته، أبلغه الطبيب فى المستشفى بضرورة حجز الطفلة ووضع محاليل جفاف لها بعد إصابتها بالإسهال. ويضيف «جمعة» أنه بعد وضع محلول الجفاف لابنته أصيبت برعشة وتشنجات قوية ما أصابه بحالة من الذعر، وذهب إلى الطبيب الذى أبلغه بأن ابنته تعانى من عرض غير خطير، وتحتاج إلى «حقنة» وستعود إلى حالتها الطبيعية، وبالفعل قام الطبيب بحقنها لتستقر حالتها ثم تعاود التشنج والارتعاش من جديد، ويتابع: «بعد ما لقيتها بتتشنج خدتها وجريت على دكتور برة خاص علشان يطمنى على بنتى، وكتب لى على أدوية وقالى ارجع تانى للمستشفى علشان لازم تتحجز ويتابعوها»، مشيراً إلى أنه عقب عودته إلى مستشفى ببا العام ومعه الأدوية التزاماً بتعليمات الطبيب الخاص، أبلغه طبيب المستشفى أنه سيجرى تحليلاً فى أحد المعامل للتأكد من سلامة محلول الجفاف الذى تم إعطاؤه لطفلته، وبعد قرابة ساعتين أبلغه بفساد المحلول، وطالبه بسرعة الذهاب إلى مستشفى بنى سويف، ثم بعدها بدقائق أخبره بتجهيز سيارة إسعاف لنقلها على الفور، لافتاً إلى أن حالة «مروة» لم تكن الوحيدة حيث تم نقل 4 أطفال معها فى مستشفى بنى سويف، وأثناء تعليق المحلول قامت سيارات إسعاف بنقل حالتين حرجتين، لكنه لم يدر أنهما نتيجة محلول الجفاف الذى كانت طفلته تتلقى جرعة منه لتعويض جسمها عن السوائل التى فقدتها خلال إصابتها بالإسهال، ويتابع: «الساعة 7 بالظبط كانت عربية الإسعاف جاهزة وخدتنا نقلتنا لمستشفى بنى سويف، وأول ما وصلت عملوا لها جهاز تنفس صناعى وعلقوا لها محاليل، وفضلت أنا وأمها قاعدين جنبها». حالة من الفزع انتابت الأبوين، وهما يريان نجلتهما الوحيدة مصابة برعشات وتشنجات شديدة، حاول الاثنان مداعبتها واللعب معها إلا أن الطفلة لم تستجب، واكتفت بأن تنظر إليهما بوهن. يحل المساء لتزداد الأمور سوءاً وتتدهور حالة الطفلة، ويزداد معها الرعب داخل قلب الأبوين، وما إن يشاهدا دماً أسود يخرج من فمها إلا وتنهار والدتها، وتدخل فى نوبة من الصراخ والبكاء: «كانت بتبص لنا كدة وهى صعبانة علينا وهى بتنزل دم من بقها وكأنها بتقولنا الحقونى وإحنا مش عارفين نعمل حاجة، نظراتها كانت صعبة مش هقدر أنساها»، أدرك الأب أن السم أخذ مجراه فى دم الصغيرة، وتأكد حينها أن حياتها قد تنتهى، لكنه أخفى الأمر عن زوجته المنهارة، وفى صباح اليوم التالى ازدادت حالة الطفلة سوءاً، ولفظت أنفاسها الأخيرة. ويقول حسن، عم الطفلة، إنه ووالد مروة حررا محضراً وينتظرون جميعاً تقرير الطب الشرعى لاستكمال الإجراءات القانونية ضد المتسبب والمسئول فى الحادث، منتقداً ما قاله وكيل وزارة الصحة بعد تشريح جثة طفلة شقيقه بأنه كان لديها خلل فى خلايا المخ، لافتاً إلى أن الطفلة ذهبت إلى المستشفى وهى فى حالة جيدة لا تعانى من أى اضطرابات عقلية أو ذهنية تدل على خلل فى المخ، بينما كل ما كانت تعانيه هو ارتفاع فى درجة الحرارة وإسهال، موضحاً أن كثرة عدد حالات التسمم تثبت أن المحلول هو من تسبب فى قتل الأطفال وإصابة الكثير منهم الذين لا يزالون بين الحياة والموت، إضافة إلى قول الطبيب المعالج فى مستشفى ببا نفسه حينما طالب شقيقه بنقل طفلته إلى مستشفى بنى سويف وإخلاء المستشفى من الأطفال ووقف تعليق المحلول لبقية الأطفال. فى سياق متصل، قدم المستشار محمد سليم، محافظ بنى سويف، واجب التعازى لأسر الأطفال المتوفين عقب تناولهم محاليل الجفاف، فيما سلم المحافظ شيكات ومساعدات مالية تبلغ 30 ألف جنيه، فى منازل المتوفين.