هناك ثلاث سيئات ضاربة فى عمق التاريخ يتصف بها العديد من المسئولين فى مصر، صناعة الفرعون وتزييف الواقع أمامه والحيل بينه وبين رعيته. بعد قيام ثورة 25 يناير والنجاح فى الإطاحة برءوس النظام السابق. قلنا إن الوضع لا محالة سيتغير وستتلاشى صورة الحاكم نصف الإله وتظهر صورة الرئيس المواطن العادى. لكن يبدو أن التمنى شىء ومحاولة إنزاله إلى أرض الواقع شىء آخر. لا أنكر أن بوصول الدكتور محمد مرسى لسدة الحكم هو نجاح للثورة فقد تحقق أمل المصريين فى رئيس يحكمهم منتخب بطريقة ديمقراطية. لكن يبدو أن هناك من يستكثر علينا تلك الفرحة والبهجة بوصول أحد أفراد الشعب والذى لاقى العديد من الاضطهاد هو وغيره من الوطنيين على يد النظام السابق المستبد، ويريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء مرة أخرى واختطافه من شعبه وتكدير العلاقة بينهما وذلك بطرق ووسائل عديدة لا يجد صعوبة فى إعادتها مرة أخرى وتأتى صناعة الفرعون على رأس هذه الوسائل حيث يشعره الذين من حوله بقوته ونفاذ بصيرته وأنه فى كل موقف دائماً ما تظهر حكمته وآراؤه السديدة وكلماته أقوال مأثورة يجب على الجميع ترديدها ومن ثم حفظها وتعليقها على الحوائط وتزيين مانشيتات الصحف بها، هو يأمر ويجب على الشعب السمع والطاعة دون نقاش ومن يناقش يصير قلبه آثماً ويبعدونه عن رحمته، وتقوم جحافل الإعلام المنافقة بتشويه صورة من يعارضه ونهش عرضه ومن ثم اغتياله معنويا؛ لأنه تجرأ وانتقد أو اختلف مع الرئيس الزعيم القائد العالم الربانى ولى النعم، أما الوسيلة الثانية فهى تزييف الواقع له، فلا يوجد قصور فى الخدمات أو أزمات فى الغاز والسولار والشوارع من حوله نظيفة يأخذونه لرؤية شوارع معينة قاموا بتنظيفها قبيل السير فيها قائلين له إن الحال أفضل مما كان عليه من قبل وأن العيب والمشكلة ليست فى حكومته أو قراراتها أو فيه هو شخصياً، إنما العيب فى ذلك الشعب الأحمق المستهتر الجاهل الذى لا تملأ عينيه إلا التراب. بل ويزيدون تزييفهم بأن الرعاية الصحية المقدمة للشعب هى فى أفضل حالاتها، فالمريض يدخل إلى المشفى فيجد طاقم الرعاية الطبية فى استقباله! مثل المشاهد التى رأيناها فى فيلم «الوزير جاااى» رائعة الساخر أحمد رجب وأن العناية موفرة للمريض ويصرف له الدواء كل الدواء فى أوقاته كما يزيفون له واقع التعليم فى بلدنا وينهكونه فى الخطط المستقبلية للنهوض بالعملية التعليمة برمتها وهى طبعا خطط لا تبارح الأوراق التى كتبت عليها، بالإضافة لثبات الأسعار فى النهاية يظهرون له شعباً غير الشعب ووطناً غير الوطن، أما ثالث وسيلة فهى إبعاده عن رعيته وقطع جميع السبل إليه إلا قناة اتصال واحدة هى قناتهم الخاصة، فيحجبون عنه ما يعانيه الشعب من أزمات ومشكلات ويصمون أذنه عن سماع آهات المحتاجين وأنين الأيتام وأنات المعذبين فى الأرض. لا يجعلونه يقترب من الكادحين بل يرتبون له الزيارات إلى بشر آخرين إلى رجال البيزنس ومشاريعهم ومنتجعاتهم وأحيائهم الراقية. يستمتع بكلمات الشكر والامتنان لفخامته من أصحاب الياقات البيضاء وللأسف يمنعون سماع أصوات الفقراء والكادحين من اختراق حواجز السلطان، والتى بها حالوا بينه وبين شعبه، أصدقكم القول لقد بدأت بشائر تلك الوسائل القذرة لإبعاد الرئيس عن شعبه ولتركه منفرداً لقمة سائغة للمستنفعين فى تلك المناصب؛ لذلك ينبغى علينا أن نصيح ونصرخ بأعلى أصواتنا أننا موجودون برغم ما يقيمه المستنفعون من جدران، لا بد من هدم الجدران كلما أقاموها مرة أخرى وإلا عندئذ يكون فوات الأوان وبذلك تضيع دماء الشهداء وتحكى الأجيال القادمة عن قصة شعب مات حين أراد الحياة.