ما إن أعلن المستشار فاروق سلطان فوز د.محمد مرسي برئاسة مصر حتي انطلقت أنفاس الفرح من محبسها الطويل, تعبيرا عن ميلاد مصر الجديدة, وإعلانا عن استعادة الحرية وكرامة الإنسان وإرادة الأمة.. تنفس الجميع الصعداء, وعبر الكل عن عواطفه المكنونة, في مهرجان وطني واسع, ساده التهليل والتكبير والتحميد والزغاريد والأهازيج والرقص والغناء, في صورة يغلب عليها العفوية والانفعال وهما الحالتان التي تخرج من بينهما الحقيقة, وتتولد عندهما عبقرية الفطرة هذا ما جسده الكثيرون من المحتفلين, وبدا ذلك في كلامهم وتصرفاتهم, إلا أن عم ابراهيم بائع العرقسوس في ميدان الجيزة قد انفلتت عواطفه من عقالها, وظل يروح يمنة ويسرة يوزع ما يحمله من الشراب المصري الأصيل, وتوقف عن الكلام إلا من قوله الله أكبر وتحيا مصر رافضا أي مقابل ولو ضغط عليه البعض وأراد منحه شيئا من المال شفقة عليه قال له, أنا أسعد إنسان النهاردة ومن حقي أفرح, ودا يوم كنا مستنيينه من زمان, من عمر العرقسوس, من أيام الفراعنه من آلاف السنين. لقدحبست حرية المصري في اختيار رئيسه طوال عمره بل طوال تاريخ مصر, ومن هنا كانت قيمة الحدث وعظمة الإنجاز, إنجاز الديمقراطية وميلاد المصري الجديد, الذي سوف يبدأ في اكتشاف نفسه بعد ما كسرت الثورة اغلال قيوده الطويلة وتفتحت أبوابه علي مكامن القدرة والعطاء والامكانات التي كان يمتلكها دون أن يدري, وجاء الوقت الذي يمكن أن يبذلها ويبذرها ويزرعها في أرض مصر ليسعد بها هو وغيره في مشروع نهضة مصر الكبير. عم ابراهيم بائع العرقسوس, رمز العوام والبسطاء جسد فلسفة المشروع فالشراب مصري أصيل يجمع بين الارتواء والدواء, ولم يستورد من الخارج, من الشراب زهيد الثمن لم تدخل اليد الخفية والغربية والأجنبية فتضيف له مواد حافظة ونكهات لتخفي عيوبه وفساده كما هو حادث في جميع الأطعمة والمشروبات المستوردة, والتي أوهمتنا بالشبع والري وحقيقة الأمر أنها أثقلتنا بالمرض والعجز. هكذا كان واقعنا من كل شئ, في السياسة والاقتصاد والتعليم والاعلام وغيره كله مستورد لم تعبر مصر عن حقيقتها بل رحنا جميعا في حالة من الضياع, نبدد طاقاتنا ونهدرها ونلوثها في صورة من السفه الوطني أن الشعب حين إسترد حريته استرد بها مصريته وأصالته, وأنه بذلك لن يأكل الا من أرضه, ولن يشرب الا من نيله. إن ما يحلم به بائع العرقسوس وما يمكن أن يحدث في طعامنا وشرابنا, يمكن أن يحدث في كل ميادين حياتنا, فسياستنا تكون مصرية لاتتدخل فيها أمريكا ولا غيرها. وقرارنا لابد وأن يكون من رأسنا, لأن طعامنا سوف يكون من فأسنا, إعلامنا لابد وأن ينضح مصرية ووطنية, يعيش الحقيقة, وواقع الناس, يجمع بينهم ولايفرق يحفزهم ولا يخيب آمالهم, ينشغل بمصر والمصريين, لا يرهقهم بالكذب والتضليل والتزييف, ليكن معياره واحدا, وهو مصلحة مصر. إن عم ابراهيم بائع العرقسوس وأمثاله من عامة أهل مصر الفقراء الكادحين يواجهون تحديات كبيرة أبرزها النخبة التي كثيرا ما تحبطهم وتخيب آمالهم, لقد دأبت النخبة علي الظهور في الاعلام, وليس لها من هم سوي إثارة قضايا من شأنها أن تصرف الناس عن الجادة والأمل, والحب والعمل, وتأخذهم إلي غياهب الفتن كما حدث وأصابنا جميعا ما أصاب من وهم ومرض وقلق ووساوس فتاكة. لمصلحة من أنه في الوقت الذي يفرح فيه كل مصري بأعظم إنجاز عرفته علي مدي التاريخ وهو استعادة كيانه وآدميته في الوقت نفسه بالتمام يخرج احد النخبة ليحلل خطاب د. مرسي فيقول انظروا إنه يقول سوف نعمل لقد قررنا بصيغة الجمع إنه يقصد بالجمع الإخوان المسلمين إن هذا النخبوي لم ينظر إلا إلي أسوأ فرضية ولاترد علي بال أحد, إلا إذا اراد بمصر سوءا لأن خطاب الرجل كله مصري ويؤكد ذلك في اكثر من موضع, لقد تجاهلت النخبة حقيقة مؤكدة حدثت بفضل الله فور تولي د.مرسي الرئاسة ألا وهي ارتفاع مؤشر البورصة بشكل لم يحدث منذ فترة مما يؤكد أمل الاستقرار والأمان ولعل هذا ببركة الإيمان واليقين الذي ظهر جليا في خطاب تولي الرئاسة لقد استقبلت النخبة هذا الخطاب الايماني الجميل بنظرة الفلاسفة والمنظرين والكارهين وانه خطاب رئيس دولة دينية!! إن هذا ابتزاز مرفوض حري بنا الا نأبه به ولا نعيره اهتماما ولا قيمة لأننا دولة مسلمة ولسنا دولة دينية والفرق كبير إن الامل الذي زرعته فينا الثورة وانتخابات الرئاسة وخطاب الرئيس إنما يمثل بذور الطاقات في أرض الهمم الصالحة والعزائم الصادقة, سرعان ما تنمو وتكبر وتصير أشجارا مثمرة في كل مكان, وما علينا إلا أن نستقبل الأمل ونبذل الجهد ونولي آمالنا ووليدنا الجديد بالرعاية والحنان والحب والايمان حتي نجني جميعا ثمار مصر الثورة والتقدم والارتقاء والنهضة. المزيد من مقالات اسماعيل الفخرانى