منذ سنوات قليلة قامت إحدى الجمعيات «الخيرية» بإطلاق مشروع يدعى «جاموسة الخير»، قامت فيه بتوزيع جاموسة على بعض السيدات المعدمات بهدف توفير فرصة للعيش الكريم لهن، إلى هنا والخبر يستحق الإشادة بل والدعاية له بكل الوسائل الممكنة، ولكن ما حدث بعده هو ما نريده الآن! فقد حدث وماتت بعض من تلك «الجواميس» لأسباب مختلفة، منها المرضى ومنها لظروف حوادث طرق غير متعمدة، بل إن منها من باعته السيدة التى حصلت عليها لتستفيد من ثمنها لغرض آخر، المهم أن تلك السيدات قد فقدن الجاموسة التى أعطتها إياهن تلك الجمعية -من تبرعات الناس- لسبب ما، كيف تتخيلون أن تتصرف الجمعية فى هذه الظروف؟! فى جمعيات سوية ووسط مجتمع سوى سوف تقوم الجمعية برفع يدها عنهن، وقد لا تسمح لهن بالاستفادة من خدماتها مرة أخرى، يمكننا أن نتفهم هذا بل ونوافق عليه، حتى يصل «الخير» لأكبر عدد من الفقراء، ولكن ما حدث بعد ذلك أبعد ما يكون عن تخيلك يا عزيزى! فقد قامت تلك الجمعية برفع دعاوى قضائية على تلك السيدات، بل وحصلت على أحكام قضائية بسجنهن لفترات تتراوح بين ثلاثة أشهر وعام كامل! أى إنك تبرعت لجمعية خيرية لمساعدة الفقراء فساعدتهم فى الدخول إلى السجن!! ربما لا يصدقنى البعض، وربما أسمع بينكم من يهمس بتعليق خارج، فكيف أستطيع بل وكيف أجرؤ أن أتهم جمعية «خيرية» بأن تفعل هذا الفعل الأحمق؟ بل وكيف استطاعت تلك الجمعية من الأساس أن تفعل هذا؟ الأمر حقيقى تماماً ولو كره البعض، والسيدات بعضهن هارب الآن، ولكنهن سيحبسن يوماً بتبرعك!! الطريف أن جمعية أخرى ستقرر يوماً أن تفك أسر الغارمات من السجون، فتقوم بسداد ثمن تلك الجواميس لتخرج السيدات، أى إنك تتبرع أيضاً لتحل لهن المشكلة التى وقعن فيها بسبب تبرعك الأول! فيخرجن فقراء كما كن، لا يحملن من تلك التجربة سوى سابقة فى سجلهن!! الأمر قد تخطى كل الحدود، والصورة أصبحت ضبابية للغاية، فالجمعيات الأهلية تدعوك للتبرع لكل الأسباب، وتستدر تعاطفك بكل ما تستطيع من سبل طوال العام، وعلى مدار الشهر الكريم على وجه الخصوص، دون أن تكون هناك متابعة لما تفعله تلك الجمعية بأموالك بعد ذلك، ودون أن تعلم أنت أو غيرك أن أموالك كانت هى السبب الذى تتبرع ثانية من أجله لتفك أسر غارمة داخل السجن! الرقابة الحكومية الغائبة هى السبب الأساسى الذى يجعل هذه الكارثة تزداد يوماً بعد يوم، بل يمكننا أن نقول إن دور الحكومة الغائب من الأساس هو السبب الذى جعل لتلك الجمعيات دوراً فى المجتمع، فضلاً عن كونها الآن سبباً فى «سجن» البعض وليس مساعدتهن! الثابت الآن أن فوضى الجمعيات الخيرية أصبحت خطراً على المجتمع أكثر من كونها مفيدة له، والاستمرار بهذه الطريقة جريمة فى حق الفقراء والمرضى الذين أصبحوا سلعة للاتجار على شاشات التلفاز لجمع الأموال من المواطن البسيط، دون رقيب أو ضابط يحاسب أوجه الصرف والإنفاق لهم! سيدى الرئيس.. إذا كنت قد انتويت إنقاذ الغارمات فلتبدأ بغارمات «الخير»، فهن صنيعة أيدينا ونتاج فشل الرقابة الحكومية على مثل هذه الجمعيات، التى تتاجر بهن، كما ينبغى أن يتم التحقيق مع صاحب تلك الفكرة الجهنمية برفع دعاوى قضائية على المستفيدين بالتبرعات!! أفيقوا يرحمكم الله!!