لم يرد بذاكرتي وأنا أتلقَ محاضراتي في مدرج واحد بجامعة حلوان أن مهنة الصحافة لن تكون فقط "مهنة المتاعب"، بل أيضًا "مهنة النكد وهدم اللذات" أحيانًا.. صحيح أن هدف الصحافة شريف (أو هكذا يجب أن يكون) لكن الصحفي أيضًا بشر، وله مزاجه الذي بحاجة إلى تحسين والتزاماته الاجتماعية التي بحاجة إلى تطوير. تدق الساعة الخامسة صباحًا فيبدأ الصحفي الهمام في رصد كل كبيرة وصغيرة من أول فرش الساحات استعدادًا للصلاة في كل شبر من كل محافظة في أرض مصر، ومرورًا بالتهاني والاحتفالات وإن المحافظ الفلاني والوزير العلاني يهنئ الرئيس ويتلقى التهاني من المواطنين بجانب تهاني المواطنين المتبادلة بينهم وبين بعضهم، ثم تأتي الدواهي الكبرى وتقع بعض الانفجارات وأعمال العنف، وانتهاءً بنهاية العيد والاستعداد لتغطية العيد الكبير أيضًا. أصبح عملنا نحن الصحفيين يشبه عمل رجال الأمن الساهرين، الأصدقاء يخرجون مع أصحابهم وأقاربهم وأحبائهم، والصحفي في عرينه يقاتل ب"قلمه وكيبورده".. الآخرون يتبادلون الضحك والمزاح والهدايا، والصحفي يتبادل "التكليفات والأوردرات" وهاتك يا شغل هنا وهناك ولا بأس من "ورقة خصم محترمة في المليان" لو تهاونت، لا نقصد هنا توجيه سهام الحسد والحقد على غير الصحفيين لأن لكل مهنة متاعبها، ولكن لا توجد متاعب تستمر طول الوقت مثل الصحافة.. لا مهنة تتطلب منك أن تضع عينيك في وسط رأسك مثل الصحافة.. "صاحبة الجلالة" تريدك أن تكون متأهبًا ومستعدًا طوال ساعات اليوم لأي حدث.. أي حدث يخطفك من أحلامك وساعات فرحك وحبك وراحتك ورمضانك وعيدك ومن على سريرك في أوضة نومك.. كل هذا مع الصحافة وأكثر. صحفي محاور.. صحفي تحقيقات.. صحفي مصور.. صحفي ميداني.. صحفي كاريكاتير.. صحفي سوشيال ميديا.. صحفي ديسك مان.. أي فصيلة من فصائل "صاحبة الجلالة" مكتوب عليها هذا الكم من المعاناة طالما أنك تنتمي لعالم جمع الأخبار ورصد أنفاس العالم ودبات النمل وعواء الذئاب وصياح الديكة. يعافر الصحفي جاهدًا للخروج من هذا "الحصار" المفروض عليه.. لا بأس من السماع إلى الأغاني أثناء العمل أو تبادل التهاني والقفشات و"القلشات" مع زملاء العمل أو تناول المشروبات والمأكولات في العمل.. المهم إن كله في "العمل".. والسؤال متى تأتي الإجازة والراحة للصحفي وينتهي أو يتوقف قليلاً هذا المسمى ب"العمل"؟!!