كتبت فى المقالة السابقة عن الوطن وما يحيط به من مخاطر، واليوم أكتب عن حُماة استقلاله وشرفه، فعندما وقعت الأحداث الإرهابية الأخيرة فى سيناء إذا بفئة معروفة بخلطها بين موقفها المعارض لنظام الحكم وبين المصالح الوطنية العليا تسارع إلى نشر أكاذيب عن خسائر الجيش نقلاً عن مصادر إعلامية معادية أو شائعات مغرضة وعن إخفاقاته فى مواجهة الإرهابيين، ولا بأس من سخرية بغيضة تنال من أبطال القوات المسلحة، بينما أظهرت الحقائق لاحقاً البطولات والتضحيات الفذة لرجالها، ناهيك عن سموّ وعيهم الوطنى بما يشهد بأصالة الشعب المصرى وحسن تنشئة المقاتلين. جيش مصر حالة خاصة بحق يختلط فيها وجوده بوجود الوطن ذاته وتطوره ورقيه، ويكفينا أن نتذكر دوره الوطنى بزعامة أحمد عرابى، ثم دوره فى ثورة يوليو 1952 ودفاعه المجيد عن استقلال الوطن وكرامته فى 1956 و1967، وحتى عندما هُزم فى تلك السنة لأسباب لا يُسأل عنها مقاتلوه فإنه سرعان ما التقط أنفاسه قبل انقضاء شهر على الهزيمة فانتصر فى ذلك الشهر ذاته فى معركة رأس العش، ودكت طائراته فى الشهر التالى مواقع العدو فى سيناء وأغرق رجال بحريته أكبر قطع الأسطول الإسرائيلى عندما تجاسرت على انتهاك مياهنا الإقليمية فى أكتوبر 1967 واستكمل قدرته على الدفاع فى الشهر التالى ثم بدأ حربه الرابعة ضد إسرائيل اعتباراً من 1968، فيما عُرف بحرب الاستنزاف التى تضمّنت عمليات عبور جسورة لحاجز قناة السويس المائى وعمليات خاصة خارقة كما فى تدمير ضفادعه البشرية ميناء إيلات مرتين فى 1969، وكانت هذه كلها إرهاصات معجزة حرب أكتوبر 1973، وقد تكون هذه أقل مدة استغرقها جيش فى التاريخ فى إعادة بناء قدراته بل والوصول بها إلى مستوى أعلى بما لا يقارن بوضعه قبل الهزيمة، ثم يواصل الجيش دوره الوطنى الذى دشنه عرابى وواصله عبدالناصر فينحاز إلى الشعب مرتين فى يناير 2011 ويونيو 2013 بما يشير إلى امتلاك الجيش كما فى خبرة انتفاضة عرابى وثورة يوليو مقياساً دقيقاً لحدود المشروعية ومتى يمكن تخطيها لصالح الشرعية ومناطها الشعب وإرادته، وهى صفة نادرة ينفرد بها الجيش المصرى بين جيوش المنطقة التى أثبتت التطورات الأخيرة أن عديداً منها تحكمه اعتبارات فردية أو طائفية أو قبلية على النحو الذى يعرّض دولها الآن لمخاطر التفكك والانهيار، وها هو جيش مصر يخوض فى المرحلة الراهنة باقتدار معركة مصر الشرسة ضد الإرهاب ويؤكد رسوخ الدولة المصرية وتماسكها فى مواجهة المخططات الشريرة. وإذا كان بيننا من لا يدرك خطورة المعركة الحالية ويتعامل معها باستخفاف يهيئ له نشر المغالطات والإمعان فى السخرية من رجال الجيش المصرى فليكتب الله له الهداية، فالإرهاب كما لا يخفى إلا على الغافلين يملأ الدنيا عنفاً وتدميراً وفجوراً ويخضّب خريطتها بدماء الأبرياء، وقد نجح أو يكاد فى إسقاط دول أو المساس بسلامتها الإقليمية أو تدمير استقرارها، وثمة درجة عالية من وحدة الأصل والتنسيق بين قوى الإرهاب على صعيد الوطن العربى بل بامتداد العالم كله لا تخفى إلا على الغافلين، وثمة أموال هائلة تضخها جماعات دولية منظمة لتعزيز قوى الإرهاب ودول تدفع أجهزة مخابراتها وتوفر لها كافة الإمكانات تحقيقاً للغرض نفسه وتنفيذاً لمخططات شريرة لا تريد لنا ولمنطقتناً خيراً باتت شديدة الوضوح وتكشفت مؤشراتها. بهذا المعنى يكون الجيش المصرى، باعتباره درع الوطن وسيفه، خطاً أحمر، ولا يمنع هذا من أن تنتقد تيارات سياسية معارضة ما تسميه «حكم العسكر» أو ما تراه إفراطاً فى الدور الاقتصادى للجيش أو غير ذلك، لكننى أتحدث عن الجيش المصرى باعتباره شرف الوطن ورمز عزته وسيادته، وقد أذكّر الأجيال الشابة بموجة السخرية الهائلة التى خطط لها أعداء الوطن من رجال الجيش المصرى عقب هزيمة 1967 التى لا يُسألون عنها، وكيف أدرك عبدالناصر بفطرته الوطنية خطورتها فتصدى لها فى أول خطبة عامة له بعد الهزيمة فى يوليو 1967 مذكّراً شعبه بأن هذه السخرية المرة تطول إخوة وأبناء لنا بغير حق، وبعدها أثبت الشعب أصالته وإدراكه السليم فتوقفت الموجة الخبيثة على الفور، وكان هؤلاء الرجال الذين تعرضوا ظلماً للسخرية هم الذين صنعوا أمجاد حرب الاستنزاف وملحمة أكتوبر، فما بالنا الآن وبيننا من يحاول السخرية ممن صمدوا واستبسلوا ودفعوا باقتدار موجة الشر عن الوطن. تتحمل القوات المسلحة الآن مسئولية شرح تحديات ما يجرى فى سيناء وبطولات أبنائها فى مواجهتها لأن للناس تساؤلاتها المشروعة، وحسناً فعلت إدارة الشئون المعنوية بها بما أنتجته من أفلام تسجيلية ومادة إعلامية عن المعركة الأخيرة فى مواجهة الإرهاب التى تجعل كل مصرى يفخر بوطنه وجيشه وبطولات أبنائه وحسهم الوطنى الرفيع، وسوف تحسن صنعاً أكثر بضبط توقيت الإعلام الصادق عن مجريات المعركة الشرسة ضد الإرهاب على النحو الذى لا يسمح للإعلام المسموم بأن يجد طريقه إلى عقول المصريين، ولتتق القلة المضللة -بكسر اللام وفتحها- الله فى وطنها وجيشها وليحفظ الله مصر وجيشها العظيم ويرحم شهداءه ويمتعهم بالمكانة التى وعدهم بها فى كتابه الكريم.