لعقودٍ طويلة اقترن مفهوم «ارتفاع الأسعار» فى أذهان المصريين ب«فوضى الأسواق»، و«عجز الحكومة» عن السيطرة عليها، ولم يمر 22 شهرا على ثورة 25 يناير إلا وازدادت الأسعار الأساسية بطريقة جنونية، والتهم غول الغلاء طبقات كانت فى أمسّ الحاجة إلى ثورة طمحوا فى أن توفر لهم «لقمة عيش» كريمة تلائم دخلهم المادى المتآكل يوما بعد يوم بفعل التضخم المتنامى. لا يختلف اثنان على أن عوامل عدة شكلت فى مجملها سببا رئيسا فى ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية فى الأيام التى تلت الثورة، لم تكن الإضرابات العمالية فى الموانئ وارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج أولها، ولم تكن التقلبات السعرية العالمية -فى بلد يستورد أكثر من 50% من غذائه- آخرها، بينما كان غياب الدور الرقابى على الأسواق الداخلية للحكومات التى تعاقبت واحدة تلو الأخرى هو العامل الأكثر بروزا فى «فوضى الأسعار» التى اعتاد عليها الشارع المصرى الذى ينفق أكثر من 40% من دخله على الغذاء. بالطبع لا يطالب أحد بالعودة إلى التسعيرة الجبرية مرة أخرى كآلية لضبط الأسواق الداخلية، لكن عاقلا لا يمكنه أن ينكر أن حكومات ما بعد الثورة وقفت عاجزة أمام «حيتان الاحتكار» فى مصر الذين يتغلغلون فى كافة القطاعات الغذائية، للدرجة التى دفعت الدكتور جودة عبدالخالق، وزير التموين السابق فى حكومتى عصام شرف وكمال الجنزورى، إلى أن يعلن أن سوق الأرز تسيطر عليها 5 تجار كبار، ورحل عن وزارته والوضع باقٍ كما هو، بينما يجيز قانون منع الاحتكار فى مادته العاشرة للحكومة التدخل لتسعير سلعة استراتيجية معينة إذا ما شهدت ارتفاعات غير مبررة. خريطة ارتفاعات الأسعار فى مصر ترصدها «الوطن» من خلال تقرير خطير لغرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات، يقارن بين أسعار السلع الغذائية فى 2012 ومثيلاتها منذ 4 سنوات. وبحسب التقرير فإن أسعار السكر على سبيل المثال شهدت ارتفاعا بلغت نسبته 54% ليصل سعر الكيلو إلى 5,15 جنيه فى أكتوبر الماضى بعد أن كان 3,35 جنيه فى 2009 و4,2 جنيه فى 2010 ثم يصل إلى 6 جنيهات فى 2011، ويشير التقرير إلى انخفاض سعر السكر بمقدار 14% مقارنة بين العامين الحالى والماضى. أما الأرز فقد كشف التقرير عن ارتفاع أسعاره بنسب خيالية خلال السنوات الثلاث الماضية، بنسبة بلغت 110,5%، وربما كان هذا الارتفاع المبالغ فيه هو السبب الحقيقى فى قرار وزارة الصناعة والتجارة بحظر تصديره خلال العام 2010، ووفقا للتقرير فقد ارتفعت أسعار الأرز من 1,9 جنيه للكيلو فى 2009 إلى 3,5 جنيه فى 2010، ليرتفع إلى مستويات قياسية فى 2011 إلى 5,3 جنيه، ليهبط بنسبة 24% فى العام الجارى مستقرا عند سعر 4 جنيهات. وارتفعت أسعار الزيوت الخليط بنسبة 61% خلال 2012 عن 2009، حيث سجل سعر اللتر فى 2009 ما قيمته 5,25 جنيه، ليصل إلى 5,55 جنيه فى 2010، ليقفز إلى 8,65 جنيه فى 2011 ثم إلى 8,45 جنيه فى العام الجارى، بتراجع طفيف نسبته 2,3%. وكان الفول هو الآخر إحدى السلع التى شهدت ارتفاعا واضحا بلغت نسبته 28%، حيث ارتفع السعر من 3,7 جنيه فى 2009 للعبوة زنة 500 جرام إلى 5,4 جنيه فى العام 2011، ثم انخفض إلى 4,75 جنيه العام الجارى بنسبة 12%. ويكشف التقرير عن ارتفاع أسعار البيض بنسبة 11% خلال السنوات الثلاث الماضية، وقفز سعر الطبق «30 بيضة» من 18 جنيها فى 2009 إلى 21,55 جنيه فى 2010، ليهبط إلى 19 جنيها فى 2011، ثم يرتفع مرة أخرى إلى 20,9 جنيه فى 2012. ويشير تقرير الصناعات الغذائية إلى ارتفاع أسعار المكرونة بنسبة 38%، فقد ارتفع السعر من 1,12 جنيه للعبوة زنة 500 جرام فى 2009 إلى 1,25 جنيه فى 2010، ثم هبط إلى 1,7 جنيه فى 2011 و1,55 جنيه فى 2012، بينما ارتفعت أسعار اللبن المعقم المعبأ فى «أكياس» زنة نصف لتر بنسبة 45% من 2009 إلى 2012، حيث ارتفعت أسعاره من جنيهين فى 2009 إلى 2,9 جنيه فى 2012، فى حين ارتفع سعر اللبن المعقم «العبوات» زنة اللتر بنسبة 35%، محققا 6,4 جنيه العام الجارى، مقابل 4,75 جنيه للتر فى 2009. أما سعر الجبن الأبيض فقد أكد التقرير ارتفاعه من 10,6 جنيه فى 2009 إلى 11,9 جنيه فى 2010، ثم إلى 12,7 جنيه فى 2012، بارتفاع نسبته 20%، وأوضح أن سعر الدقيق الفاخر استخراج 72% حقق ارتفاعا بنسبة 45% ليسجل سعره 3,55 جنيه، بعد أن كان 2,45 جنيه فى 2009، ثم 3 جنيهات فى 2010، و3,65 جنيه فى 2011. وجاءت أسعار البطاطس الطازجة فى قائمة السلع القليلة التى سجلت هبوطا فى السنوات الثلاث الماضية، وفقا للتقرير، بنسبة 34%، حيث استقرت أسعارها عند مستوى 2,1 جنيه فى أغسطس الماضى مقابل 3,2 جنيه فى 2010 للكيلو. تلتها أسعار البصل التى حققت انخفاضا بنسبة 15% مقارنة بأسعار 2010، لتستقر عند جنيهين للكيلو بدلا من 2,05 جنيه فى 2010 للبصل الأحمر، و1,5 جنيه للبصل الذهبى مقابل 1,25 جنيه فى 2011. ويكشف محمد الطاروطى، رئيس الجمعية المصرية لمنتجى الألبان، عن وجود زيادات طفيفة فى الألبان «الخام» تراوحت بين 25 و30 قرشا فى الكيلو بنهاية سبتمبر الجارى مقارنة بنفس الفترة من العام الماضى، وأرجع هذا الارتفاع إلى عدد من العوامل، من بينها ارتفاع الأسعار العالمية لمنتجات الأعلاف والذرة الصفراء وفول الصويا. وأكد «الطاروطى» أن الفترة الحالية تشهد استقرارا نسبيا فى الأسعار نظرا لاستقرار الطلب، مشيراً إلى أن المعروض من الألبان الخام فى السوق المحلية يقل بنسبة كبيرة عن الطلب، وأن المصانع تلجأ إلى استيراد الألبان المجففة لتعويض الفارق بين المعروض والطلب. ويرى رئيس جمعية منتجى الألبان أن التوقع بشأن مستقبل الأسعار فى مصر أمر صعب للغاية، وأن السوق بوضعها الحالى تشهد حالة من عدم الرؤية تحول دون أن يتوقع أى أحد موقف الأسعار فى الغد.