ضاقت سبل العيش بالرجل فى بلده، ولم يعد قادراً على كسب قوته وتوفير متطلبات الحياة لأسرته، فقرر السفر إلى جزيرة بعيدة سمع أن أرضها مليئة بأحجار الألماس. فى يوم السفر تشبثت الزوجة بعنق زوجها وبكى الأبناء خوفاً من فراق رب الأسرة الذى قد لا يعود، فكم ابتلع البحر من سفن ومسافرين؛ لكنه ظل مصمماً على أن يسافر أملاً فى أن يعود يوماً بالمال الذى يوفر السعادة لأسرته. أسابيع من السفر عبر البحار، وموج كالجبال، ومصاعب وأهوال.. قبل أن تظهر شواطئ الجزيرة، وعلى أرضها كانت أحجار الألماس متناثرة فى كل مكان. جمع الرجل منها ما جعله يتصور أنه قد حقق آماله وودع الفقر إلى غير رجعة، واستعد للعودة لبلده؛ لكن كان قد قرصه الجوع فقرر أن يدخل أحد المطاعم الفخمة لتناول وجبة شهية، ولِمَ لا.. وهو الآن غنى يملك ثروة طائلة. بعد تناول الطعام أراد أن يدفع الحساب، فأخرج حجراً من الألماس من جيبه وقدمه لنادل المطعم. نظر النادل إلى حجر الألماس بازدراء وقال إن هذه الأحجار ليس لها ثمن فى الجزيرة، أما أكثر الأشياء قيمة عند أهل الجزيرة فهو دهن الدجاج! لم يكن لدى الرجل ما يدفع به فاتورة الطعام، لذا اضطر إلى العمل فى الفندق حتى يقضى دَينه. ألقى ما معه من الألماس وبدأ العمل، وظل يعمل وقتاً مضاعفاً كل يوم حتى بعد أن قضى دينه كى يعود لأسرته بثروة أكبر. طوال أشهر من العمل نسى الرجل قيمة الألماس وبدأ يقيس الثروة بجرامات دهن الدجاج حتى أصبح الدهن «مستودع القيمة» عنده كما هو الحال عند أهل الجزيرة، وحين عزم على السفر ترك الألماس وجمع قدر ما يستطيع من دهن الدجاج.. وركب السفينة. ظل الرجل يعد الثوانى والدقائق حتى يصل إلى أسرته ويعوضهم عن أيام الغياب سعادة وغنى، فى البيت فتح الرجل حقائبه وأخرج الهدايا الثمينة التى جاء بها، لكن أحداً من الأسرة لم يفرح أو حتى يبتسم بل سد الجميع أنوفهم وانصرفوا عنه.. كان دهن الدجاج قد تعفن وفاحت رائحته. صرخت زوجته: أين الألماس؟ لقد غامرت بحياتك، وتحملنا غربتك والعيش من دونك على أمل أن تعود لنا بالألماس؟ هل نسيت لماذا سافرت؟ ما معنى أن تغيب عنا شهوراً طويلة ثم تعود لنا بدهن عفن؟ أدرك الرجل بعد فوات الأوان أنه تخلى عن الهدف الذى سافر من أجله، وأنه انساق وراء اهتمامات قوم آخرين لا علاقة لها بأولوياته. أعلى قيماً وخفض قيماً أخرى، رمى دهن الدجاج فى سلة القمامة وعاد يبحث عن الأشياء ذات القيمة التى تنفعه، ولحسن الحظ وجد بين أغراضه ماسة وحيدة، كان ثمنها كافياً لسداد ديونه. ربما تفيدنا هذه القصة الرمزية ونحن نتأمل أحوالنا بعد الثورة. كيف نسينا هدفنا من الثورة، وغابت عنا القيم الجوهرية والمهمة الأساسية؟ انشغلنا ب«دهن الدجاج» عديم القيمة وضيعنا أحجار الألماس. لكن لن نبكى على ما فات، فما تبقى لنا، ولو كان ماسة واحدة، كافٍ لكى نبدأ من جديد.