انتهت الانتخابات البطريركية على خير، وبعث انتخاب البابا تواضروس الثانى برسالة طمأنينة للوطن، فهناك ارتياح كبير فى الأوساط الكنسية لارتقائه السدة المرقسية، ويمكنك أن تلاحظه فى ما يتردد عنه من حسن الإدارة وعمقه الروحى وتواضعه، فضلا عن خبرته فى العمل الاجتماعى. فالبابا الجديد يحظى باحترام وتوقير من كافة الرتب الكهنوتية بالكنيسة ابتداءً من المجمع المقدس وأساقفته وانتهاءً بأصغر القساوسة، كما أنه يحظى بالقبول المبدئى من العلمانيين من أبناء الكنيسة، وبصفة خاصة من الأجيال الشابة التى انخرطت فى العمل العام والتى تنتظر منه الكثير للكنيسة والوطن. وحالة الترقب التى تعيشها الكنيسة وأبناؤها مما ستسفر عنه قيادة البابا تقابلها حالة ترقب عامة من مختلف قطاعات المجتمع المصرى، الدولة والفاعلين فى الشارع السياسى والناشطين الحقوقيين فى المجتمع المدنى، الجميع يتساءل عن كيفية تعامل البابا مع الملفات الشائكة التى انتقلت إليه فى الظروف الاستثنائية التى يمر بها الوطن. وتتجلى حالة الترقب هذه فى معظم الأسئلة التى طرحت على البابا من مختلف وسائل الإعلام والتى تمحورت حول تصوره عن علاقة الكنيسة بالسياسة وموقعه من الساحة السياسية. ويبدو أن مصدر هذه التساؤلات هو الصورة التى تكونت عن الكنيسة والراحل البابا شنودة طوال الأربعة عقود الماضية. وعندى أن المقارنة غير ذات محل، فقبل ثورة 25 يناير كان النظام الحاكم مستبداً بكافة القوى الوطنية، وجرّف الساحة السياسية، وخلق من التيار الإسلامى طرفاً مناوئاً وحيداً له فى الحكم، وجعل منه فزاعة للجميع بما فيهم الكنيسة والأقباط. وفى الوقت الذى تعامل فيه مع الكنيسة وعلى رأسها البابا شنودة باعتبارها المسئولة سياسيا واجتماعيا عن «طائفة» الأقباط، مارس ضغوطا شديدة عليها ليضمن استمرار دعم شعب الكنيسة لمشروعه الاستبدادى. فى المقابل، فإن ثورة يناير أحدثت تغييراً شديد العمق فى الساحة السياسية، وأهم هذه المتغيرات دخول الشعب فى المعادلة السياسية، والأهم هو مشاركة الأقباط فى الثورة وبخاصة الأجيال الشابة التى كان تمردها على الدولة المستبدة وقيادة الكنيسة أحد إرهاصات الثورة، فعلى مدى العامين السابقين للثورة خرج هؤلاء الشباب من عباءة الكنيسة، وعلى غير رغبة قيادتها، للتظاهر ضد النظام فى الشارع، وهو ما مثل إضافة لحالة الاحتجاج التى سادت الشارع المصرى آنذاك، هذه الأجيال الشابة لن تكون سهلة القيادة ولن تكون منصاعة لأحد. ومن ناحية أخرى، فإن البابا الجديد يدرك أن الدولة التى كانت تحتمى بها الكنيسة أصبحت الآن فى يد الطرف الذى كان يحتمى منه، فلا أحد من الأقباط ينسى أنهم كانوا طوال العقود الأربعة هدفا للتيارات الدينية المتطرفة، وهو يدرك أنه وإن كان الإخوان المسلمون جزءا من التيار الإسلامى فإنهم لم يكونوا طرفا فى هذه الاعتداءات، لكنه لا يستطيع أن يبنى علاقة جديدة مع الدولة مثل التى كانت قائمة قبل. البابا تواضروس الثانى إذن فى واقع سياسى جديد ومختلف كلية عما سبق، وأغلب الظن أنه سيسعى إلى علاقة متوازنة مع الدولة، وهو لن يبايع أحدا فى منصب، وهو لن ينحاز إلى تيار سياسى بعينه، لكنه سيظل لاعبا فى الساحة السياسية من خلال أبناء الكنيسة من الأقباط.