إذا كنت من هؤلاء الذين يشاهدون الأفلام الأمريكية بانتظام، فأرجو أن تتذكر كم مرة شاهدت فيلماً يُظهر بطلاً أمريكياً يحارب أشراراً من أجل إنقاذ العالم أو مساعدة مظلومين؟ أرجو أن تتذكر كم مرة شاهدت فيلماً يظهر جنوداً أمريكيين نبلاء وأنقياء وشجعان ومتفانين، يتحلون بأفضل القيم، ويقاتلون الأعداء السيئين؛ سواء كان هؤلاء الأعداء ألماناً أو روساً أو يابانيين أو صوماليين أو عراقيين أو إرهابيين إسلاميين؟ لا شك أنك شاهدت كثيراً من تلك الأفلام، ومهما كانت درجة نضجك وثقافتك واعتيادك على مشاهدة الدراما وتذوقها وتحليلها ونقدها، فبالتأكيد أنك تأثرت ببعض ما شاهدته، وربما يكون قد تسلل إلى وعيك ووجدانك، ومن المرجح أنه بات عاملاً من عوامل إدراكك للشخصية الأمريكية. دعك من السينما الأمريكية، وحاول أن تتذكر كم مرة شاهدت عملاً فنياً هندياً يتحدث عن التعدد والتنوع والوحدة الوطنية فى هذا البلد الكبير؟ وكم مرة شاهدت فيلماً سينمائياً هندياً يتعلق بفكرة محاربة الفساد، وانتصار الخير على الشر مهما كانت الصعاب والمحن؟ تعطينا الدراما التركية التى غزت شاشاتنا أخيراً مثلاً واضحاً فى هذا الصدد؛ إذ تتسم تلك الدراما بتركيز كبير على عناصر البيئة الطبيعية، والديكورات المبهرة، ويمكن اعتبار معظم المسلسلات التركية التى نشاهدها فى المنطقة العربية، بشكل أو بآخر، عملاً من أعمال الترويج السياحى. سيمكننا أن نضرب العديد من الأمثال؛ سواء من الولاياتالمتحدة أو الهند أو تركيا، أو المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، ستفيد تلك الأمثال كلها بما يلى: أولاً: إن معظم تلك الدول تعرف درجة عالية من حرية الفكر والإبداع. ثانياً: إن معظم تلك الدول تحقق مكاسب مادية من صناعة الدراما، سواء كانت تليفزيونية أو سينمائية، عبر إيرادات العرض الداخلى فى الأسواق المحلية، أو من خلال التصدير إلى الخارج. ثالثاً: إن القطاع العام ليس منتجاً بارزاً للأعمال السينمائية والتليفزيونية، وفى بعض تلك الدول فإنه لا يقوم بأى دور فى عمليات الإنتاج الدرامى. رابعاً: تخدم المنتجات الدرامية (التليفزيونية والسينمائية)، فى مجموعها العام، أهدافاً معينة، ترى كل دولة من تلك الدول أنها جديرة بالعمل من أجل تحقيقها. وهذه الأهداف تصب فى تحقيق المصلحة الوطنية العليا، وتتم خدمتها من خلال أنماط أداء احترافية غير زاعقة وغالباً ما تكون غير مباشرة. خامساً: تتحول المنتجات الدرامية بشقيها التليفزيونى والسينمائى فى أحيان عديدة إلى وسيلة للتعريف بالشخصية الوطنية وبالدولة وبالشعب مُصدّر الدراما، وبالتالى فإن تركيز تلك الأعمال على ملامح شخصية معينة، وتأكيدها على قيم محددة، وانتصارها لأفكار بعينها تسهم فى خلق الصورة الذهنية للشخصية الوطنية والدولة والشعب. سادساً: الأعمال الفنية الجيدة هى إحدى أهم وسائل القوة الناعمة، التى يمكن من خلالها تحقيق مصالح الدول، والتأثير فى محيطها الإقليمى والدولى، وتعزيز المكانة وزيادة النفوذ. سابعاً: من خلال السينما والدراما التليفزيونية، التى يتم التخطيط لها بشكل جيد، يمكن الانتصار لقيم وطنية معينة وتكريسها وترويجها، ويمكن استبعاد قيم سلبية وغير مواتية، وهو أمر يساهم فى تحقيق التغيير الثقافى والاجتماعى الإيجابى من جانب، ويعزز قدرة الدولة على الحفاظ على التماسك الاجتماعى والسلم الأهلى من جانب آخر. الآن سيبدأ ماراثون دراما رمضان السنوى الكبير، وسأطلب منك أن تجرى هذا التمرين على مجمل ما ستشاهده من أعمال.. وهو تمرين بسيط جداً لأنه على شكل أسئلة محددة ومباشرة؛ على النحو التالى: س: ما الصورة التى يمكن أن يستخلصها مواطن عالمى لا يعرف شيئاً عن مصر من خلاصة مشاهدته للمسلسلات المعروضة فى رمضان؟ س: هل تساعد تلك الصورة فى تعزيز مكانة مصر ونفوذها وزيادة جاذبيتها، أم تؤدى إلى العكس؟ س: هل تتفق تلك الصورة مع الواقع أم تفرط فى التركيز على جوانبه الأكثر سوءاً وبذاءة؟ س: ما القيم الوطنية والروحية والإنسانية التى تعززها تلك الأعمال، وما القيم التى تتجاهلها أو تعصف بها؟ س: ما الذى كان يسيطر على أذهان صانعى تلك الأعمال الدرامية خلال صنعها باستثناء تحقيق أكبر قدر ممكن من الرواج والكسب المادى؟ س: هل تعتقد أن عدد المسلسلات المنتجة فى رمضان مناسب لطاقة المشاهدة؟ وهل تعتقد أن تلك الأعمال جديرة بحجم ما يخصص لها من موارد وجهود وأنشطة إعلان وترويج؟ س: هل يمكن أن تكون هناك أعمال درامية ممتعة ولائقة فى آن واحد مثل (ليالى الحلمية، والأيام، والشهد والدموع)؟ س: هل تتصاعد قدرتنا على المنافسة فى سوق الدراما التليفزيونية الإقليمية أم تتراجع؟ س: هل لدينا عقل عام كبير ومسئول يحاول أن يصوغ سياسة رشيدة للأداء الدرامى التليفزيونى أو السينمائى، عبر سياسات تحفيز أو تعزيز أو إنتاج أو تقييم ناجعة، بما يخدم أهدافنا الوطنية والروحية والإنسانية والفنية المتفق عليها؟ ماراثون الدراما الرمضانية سيبدأ، وكل الأمل أن نجد فيما سيتم عرضه قدراً مناسباً من الفائدة والمتعة والقيمة.. وكل عام وأنتم بخير.