واحنا صغيرين.. كنا نلعب فى الشارع العديد من الألعاب.. كنا نبدأ فى لعب الكرة، وتقسيم الفرقة، فتجد شيئاً أشبه بالمفاوضات يبدأ بأن يقول أحد أحرف لاعبى الفرقتين للحريف الآخر (تقاصدنى)، فيرد بمنتهى الثقة: أقاصدك، لتبدأ عملية تقسيم فرق غريبة أشبه بتلك التى تلعبها القوى السياسية المختلفة منذ 11 فبراير 2011. يقول أحدهم: سين صاد، فيرد الآخر: اختارلك أحسن صياد، ويبدأ اللاعب فى اختيار عضو من أعضاء فرقته، فيرد الآخر عليه باختيار شخص آخر حتى ينتهى تكوين الفرقتين. فى (تقسيمة) القوى السياسية، لم يختر أحد، والله على ما أقول شهيد، الشعب المصرى، بل رأيى الذى سيحاسبنى عليه الله أن الجميع تاجر بالشعب المصرى لتحقيق مكاسب شخصية، لينتهى الأمر بعد الثورة بهذا الشعب كمتفرج. لعب الجميع (صيادين السمك)، فوقف الشعب المصرى فى المنتصف بين كل القوى السياسية التى كانت تقذف عليه الكرة، وكلما حاول التقاطها لكى يحرز (بيضة) -لو كنت حريف وفاكر- أصابته الكرة فى وجهه وارتدت إلى الطرف الآخر الذى يكمل قذفه بها. لعب الجميع (السبع طوبات)، وكلما حاول الشعب تكوين السبع طوبات فوق بعضها، كانت القوى تضرب الكرة فى السبع طوبات وتهد أى بناء محتمل. لعب الجميع (الاستغماية)، ولا يزال المصريون يقولون (خلاويص)، فترد القوى السياسية (لييييسة)، ليظل الشعب مغمض العينين، والجميع يقف على (الأمة). لعب الجميع (تيكة ع العالى وتيكة ع الواطى)، فوقفت التيارات السياسية (فوق)، وظل باقى الشعب حتى الآن (تحت). لعب الجميع (كهربااااا)، وظل المصريون (مكهربين)، لا يجدون من يقول لهم (شد الكبس)، ولا يستطيعون فعل أى شىء سوى الوقوف فى نفس المكان. لعب الجميع (النشان)، وصوبوا بندقيتهم على كل الأهداف، وكان المصاب دائماً هو المواطن. المواطن البسيط لا يهمه الدستور، ولا الأحزاب، ولا الزعماء، ولا حتى الرئيس، بل تهمه (لقمة العيش) و(الرغيف المدعم) الذى يقف عليه الطوابير، وابنه الذى لا يعرف كيف سيتعلم، وهل سيجد له وظيفة بعد أن يصرف عليه دم قلبه أم لا، وهو يفكر فى كيف سيجد (الأنبوبة) ويعيش حياة كريمة مؤمناً أن أحداً لن ينام (بدون عشاء). المواطن البسيط الذى يشاهد كل ما يحدث فى التليفزيون، ويشاهده الآخرون فى التليفزيون أيضاً، لم يعد يثق فى أحد، ولا يصدق أحد، والكل بالنسبة له لم يعد موضع ثقة؛ لأنهم لا يقدمون له سوى الكلام الذى لا يصدقونه، والذى يقفون أمامه فى دهشة، فإذا قال أحدهم لأى مسئول أو ناشط سياسى: طب احلف.. رد هؤلاء: وحياة أبوزحلف اللى عمره ما يحلف. آمن المواطن البسيط بالثورة بنفس إيمان (تلامذة زمان) الذين كانوا يخرجون من الامتحانات وهم يصيحون: شييى.. حاااا.. ناجحين إن شاء الله، لا ثقة فى أنفسهم، أو إجاباتهم، ولكن ثقة فى (ضعف المصحح) و(دعوات الحاجة). هل أنا متشائم؟؟ لا والله.. أنا أحاول أن ألفت نظرك أن الإنسان أهم من السياسة وأن كل من يلعب سياسة فى هذا الوطن بدأ بالصرخة الشهيرة (سندق.. بندق.. عمر.. تيرو.. قفش) لكنه بدلاً من أن يلعب من أجل الناس.. لعب بهم.