لم ترد كلمة الإذاعة أو التليفزيون فى دستور 71 لأن النظرة السائدة وقتها أنهما من ضمن أجهزة الدولة، ويتصرف رئيس الجمهورية فيهما كما يشاء، وهذا ما جرى خلال أكثر من أربعين سنة، كان الإعلام السمع بصرى يسبح بحمد الرئيس وأسرته، ويبدو أن الدستور المقترح يقلد نهج دستور 71 من زاويتين، الأولى أنه لم يذكر شيئا عن الإعلام الجديد، الثانية أنه ترك إدارة وملكية الإذاعة والتليفزيون للمجلس الوطنى للإعلام من دون تحديد أو تفصيل، ثم منح رئيس الجمهورية حق تعيين رئيس هذا المجلس. اكتفى الدستور الجديد بالنص فى المادة 35 على حرمة المراسلات البريدية والإلكترونية وعدم جواز مراقبتها إلا بإذن من القضاء، ما قد يعنى أنهم يتعاملون مع الإعلام الجديد وكأنه مجرد اتصالات وإيميلات فقط!! ثم تكفل المادة 41 حرية الفكر والتعبير لكل إنسان -لا أعرف حكمة ذكر كلمة إنسان- بالقول والكتابة والتصوير وغير ذلك من وسائل النشر، فهل الإعلام الجديد يدخل ضمن «غير ذلك من وسائل النشر»، أم أن الإعلام الجديد هو البريد الإلكترونى فقط؟ لا توجد إجابة، وإن كان أحد أعضاء التأسيسية المثقفين جدا(!!) ذكر لى أن المادة 45 تنص على أن القانون ينظم إنشاء محطات البث الإذاعى والتليفزيونى ووسائط الإعلام الرقمى، وهو ما يعنى إعلام الإنترنت!! طبعا سيادته لا يعرف أن كل وسائل الإعلام هى وسائل رقمية، وأن هناك فروقا هائلة بين الوسائط الرقمية وإعلام الإنترنت أو الإعلام البديل، فالوسائط الرقمية تشمل الC.D، والD.V.D وغيرها من وسائل حفظ وتداول المعلومات، علاوة على وسائل الإعلام، وبالتالى لم يكن هناك حاجه أصلاً لوصف وسائط الإعلام بالرقمية فهى تحصيل حاصل، إلا إذا كان القصد التعميم والغموض حتى يمكن استغلال النص وتوظيفه ضد حرية الرأى والتعبير فى المستقبل. لا بد أولا من النص على الوسائط الرقمية وإعلام الإنترنت بوضوح فى هذه المادة، وثانيا النص على حق الأفراد والمؤسسات فى إطلاق مواقع الإنترنت والمدونات والصحف الإلكترونية بمجرد الإخطار، أسوة بالصحافة الورقية. الإعلام الجديد من صحافة إلكترونية ومواقع إخبارية ومدونات، ومواقع التواصل الاجتماعى، هى فضاء واسع وتفاعلى لتبادل الأخبار والآراء، ولا بد من النص على حرية هذه الوسائل وغيرها من تقنيات جديدة ستشكل ملامح مستقبل الميديا خاصة إعلام المواطن، لكن يبدو أن أعضاء التأسيسية -بينهم عدد قليل من الإعلاميين- لا يعرفون الفرق بين الإعلام الجديد والإعلام التقليدى، ويبدو أيضاً أنهم يتصورون أن الإعلام الرقمى هو الإعلام الجديد فقط، بدليل أن مواد الدستور تخلو من الحديث عن حرية الإعلام الجديد، وحقوق وواجبات المدونين والصحفى المواطن. والحقيقة أن المادة 45 تفضح الموقف المحافظ والاستبدادى من حرية الإعلام، حيث تجيز إصدار الصحف بمجرد الإخطار، بينما تحيل للقانون مهمة تنظيم إنشاء قنوات الإذاعة والتليفزيون، أى أنها تميز بين الصحافة والإذاعة والتليفزيون، وهذا التمييز يقصد منه التضييق والحصار. أخيراً نصت المادة 216 على إنشاء مجلس وطنى للإعلام يختص بأشياء كثيرة منها ضمان حرية الإعلام وحقوق المواطنين ومنع الاحتكار، وكلها أمور مهمة ومطلوبة، لكن لم نعرف الآليات والوسائل والضمانات، فهل سيصدر بشأن هذه المهام والوسائل قوانين أم أن المجلس الوطنى للإعلام سيضع نظما وقواعد ملزمة، ثم كيف يمنح الدستور كل هذه المهام لهذا المجلس من دون نص صريح على تشكيله وكيفية اختيار أعضائه. أعتقد أن كل هذه الأمور تحتاج إلى توضيح ونصوص صريحة ليس فقط بالنسبة للمجلس الوطنى، بل وللهيئة الوطنية للصحافة والإعلام والتى ستتولى إدارة إعلام الدولة، وأتمنى النص على فصل الملكية عن إدارة إعلام الدولة، بحيث ينص على حق العاملين فى إدارة وسائل الإعلام التابعة للدولة، كما أتمنى عدم النص على انفراد المجلس الوطنى للإعلام بوضع الضوابط الكفيلة بالتزام وسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها والحفاظ على اللغة العربية، فلا بد للإعلاميين أنفسهم من المشاركة فى وضعها، فضلا عن المجتمع المدنى.