سنوات طويلة مضت منذ مشاهدتى راقصات محترفات يرقصن فى الأفراح؛ ربما كان ذلك منذ كنت طفلة وكانت الأفراح تقام فى البيوت فى الردهات الواسعة أو فوق أسطح المنازل التى لم تكن ترفع أكثر من ثلاثة طوابق، ولا أزال أذكر لمحات من تلك الأفراح حضرتها عند بعض معارفنا وكانت الراقصة تعتلى منضدة وترقص وهى تغنى «خاين يا غزالى خاين كَل عيشى وملحى وخلا بيا»، وتشعرنى بالبؤس والجزع والرغبة فى البكاء شفقة عليها وهى تُمتهن بوضع النقود ملتصقة بجبينها أو صدرها وأتمنى لو توقفت عن رقصها وغنائها أو قرر أهلى ترك المكان، منذ ذلك الحين لا أتذكر أننى حضرت حفلاً به راقصة حتى جاملت، منذ سنوات، صديقة لى بحضور حفل زفاف نجلها فى واحد من فنادق القاهرة الكبرى ظهرت به الراقصة فيفى عبده مختلفة تماماً عن تلك الراقصة المنسحقة صاحبة الغزال الخاين؛ استولت الراقصة على الساحة وأصبحت المستضيفة للعروس والعريس وأم العريس ووالده وأم العروس ووالدها، تأمر فتطاع، هذا يغنى وهذا يتكلم وهذا من هنا يسير وهذا يقف وذاك لا يتحرك، كل شىء من حقها، لا تترك الساحة إلا لتأتى بثوب جديد ورقصة جديدة كان منها «رقصة العوالم» تقدم فيها لقطات من حياة «عالمة» أسطى معها صبيها المخنث يقدم لها الشيشة لتدخن تمهيداً للدخول فى طقوس البخور لحماية «العالمة» من الحسد، وكان أن وضع الصبى المبخرة على الأرض لتمر عليها الراقصة العارية وهى تمضغ فى تهتك كلمات التسابيح الطاهرة: «الأولة بسم الله والثانية بسم الله.. .. .. حتى السابعة بسم الله، رقيتك رقوة محمد بن عبدالله، وحصوة فى عين اللى شافك وما صلاش ع النبى!». نعم لهذا الحد كانت الاستهانة بذكر الله والنبى الكريم قد بلغت مبلغها أمام الحاضرين بين متأفف فى صمت، مستكين للورطة، متحرج من الانسحاب، ومن لبسته مقولة «دعنا من التشدد تشجيعاً للإسلام المعتدل» فتصور أن تلك الصيغ المقدسة صارت «فولكلوراً» له حصانة «حرية الإبداع»؛ بعد أن شاعت لوحات الرقص التى تصور الموالد والكل يهتز على إيقاع «الله الله الله»، والصياح ب«الله أكبر.. الله أكبر» فى مجال العبث والهزار، والترخص الذى دفع بعادل إمام إلى استباحة أجمل مقولة نطقها المسلمون الأُول وهم تحت وطأة التعذيب: «أحدٌ أحد»، قالها سيدنا بلال الحبشى، مؤذن الرسول، وأرتجف لها وأنا أكتبها الآن، لكن السيد عادل إمام كان قد وجدها، فى عديد من عروضه، محكاً للمزاح والسخرية؛ يقولها فيضحك الناس من دون وخز لتأثم ومن دون إدراك لذنب استشعره الناس اليوم حيال فيلم اسمه «عبده موتة» لم تزد إهانته للمقدسات عن تراث من الإهانات الجسيمة سكتت عنها طويلاً أجهزة رقابية، أزهرية ومدنية، لم تكن تسكت عن إهانة من كانوا يستحقون الإهانة.