«إطلع لمدام عفاف في الدور الرابع»، أو «روح المجمع الفلاني هتلاقي أستاذ سيد في الدور الخامس اختم وتعالى»، تلك أمثلة على جمل كثيرة يحفظها عن ظهر قلب جميع المصريين الذين تقودهم الظروف إلى إنجاز ورقة حكومية تتعلق بحياتهم، وهذا الحفظ لم يكن إلا نتيجة عقود طويلة كانت البيروقراطية المصرية تعبر عنها تلك الجُمل حاضرة بقوة دفعت المصريين إلى التأكيد أن زيارة أي مصلحة حكومية هو نوع من العقاب الذي يتعرّض له المواطنين. ورغم أن ذلك تغيّر قليلًا خلال السنوات الماضية، بفضل التكنولوجيا وميكنة بعض المؤسسات والأوراق التي باتت لا تحتاج إلا لضغطة زر، لكن ذلك لم يكن كافيًا في ظل قفزات هائلة تقفزها دول العالم سواء في مجال رقمنة كل المؤسسات والأوراق، أو في مجال الذكاء الاصطناعي، لذلك حين زرت أول مرة، مركز البيانات والحوسبة السحابية، الذي افتتحه الرئيس عبد الفتاح السيسي، في إبريل الماضي، ورأيت بعيني أي إنجاز قد تم، قلت أن هذه أول قفزة فعلية تتخذها مصر في هذا المجال. وقبل الخوض في التفاصيل التكنولوجية، نوضح مهمة هذا المركز كما تشير البيانات الرسمية، إذ يعد أول مركز يقدم خدمات تحليل ومعالجة البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي في مصر وشمال أفريقيا، طبقًا لأحدث التقنيات العالمية باشتراك أكثر من 15 شركة محلية وعالمية، وأكثر من 1200 مهندس عامل. وللتقريب أكثر، فإنك عزيزي القارئ / ة حين تذهب إلى مصلحة حكومية، يطلبون منك أن تذهب لأكثر من مصلحة من أجل استكمال ما تريده، وذلك استمر حتى بعض الميكنة لسبب بسيط، أن كل مصلحة حكومية لديها قاعدة بيانات منفصلة، وليس هناك أي ربط أو تكامل بين المؤسسات وبعضها، وهنا بالضبط يأتي دور المركز الجديد الذي سيكون عبارة عن «hub»، أو مكان تتجمع فيه كل البيانات المُسجلة عن المواطنين في «data center» وتلك القاعدة يُمكن الوصول إليها من خلال أي مؤسسة حكومية، وبالتالي لا يحتاج الفرد إلى التنقل من مؤسسة لأخرى من أجل الحصول على ورقة هنا أو هناك، في تجسيد مثالي لدور التحول الرقمي في تحسين جودة الحياة. تكنولوجيًا، تم تصميم المركز الجديد بالتعاون مع شركة هواواي الصينية، ويعتمد في عمله على شبكة نقل بيانات منفصلة تمامًا من الفايبر وال«G4» تم تصميمها خصيصًا للحفاظ على سرية وسرعة نقل البيانات، كما أن المركز مزوّد بمنظومة طاقة تضمن عدة مست ويات من الإمداد بالكهرباء سواء عن طريق الشبكة التقليدية أو المولدات أو بطاريات مصممة طبقًا للمعايير الدولية «tear 3». أما أدواره، فيُمكن تقسيمها إلى ثلاث مهام رئيسية أولًا : تخزين البيانات عن طريق ال«cloud»، وينقسم هذا القسم إلى 3 محاور رئيسية هي: 1- PI X، والمقصود به جزء من مساحة التخزين السحابية للبيانات شديدة الدقة والحساسية، ولا يمكن الوصول إليه من أي شبكة خارجية. 2- PI G، وهو محور خاص بتخزين البيانات الحكومية سواء للأفراد أو الهيئات، ويُسمح بتبادلها بين جهات الدولة المختلفة لتحقيق التحوّل الرقمي. 3- PIP، وهو المحور الخاص بالبيانات المتاحة سواء للأفراد أو الشركات، ويتم التعامل معها من خلال شبكة الإنترنت العادية. ثانيًا، منظومة الذكاء الاصطناعي يحتوي المركز على فريق متخصص في الذكاء الاصطناعي، مهمته تصميم حلول مبتكرة للاستفادة القصوى من البيانات الموجودة، منها على سبيل المثال، التعدي على الأراضي الزراعية والحكومية، منظومة الإسعاف، إنشاء سجّلات بالحالة الصحية لكل المواطنين، تسهيل طرق الكشف عليهم مثل تحليل الأشعبة باستخدام الAI، وكذلك تقديم الحلول الطبية دون تدخل العنصر البشري. مهام الفريق المتخصص، تشمل أيضًا استحداث وابتكار برامج مثل برنامج تحويل الكلمات والمحادثات إلى نصوص مكتوبة أتوماتيكيا، وتنفيذ برامج مثل CHATGPT ولكن بقواعد ومعلومات مصرية للحفاظ على الهوية التاريخية، كما يشمل إدارة المدن الذكية smart city، وبالطبع تبقى المهمة الأكبر هي حماية البيانات وتطوير طرق مكافحة الاختراق وthreatening hunting وهذا يقوم عليه فريق على أعلى مستوى من cyber security. يبقى القول إن هذا الإنجاز والصرح العظيم المتمثل في مركز البيانات والحوسبة السحابية، هو بداية تحوّل رقمي، سيشعر بأثره المواطن عبر مراحل تستغرق في الغالب عامين ونصفين، لتحقيق تلك الأهداف التي ستعد «بترول العصر» ومن خلالها لن يتم إراحة المواطن فقط، بل توفير ملايين الدولارات في أي خطوة تتخذها الدولة، الحزن الحقيقي أن يوم الافتتاح مر عاديًا دون تركيز أو توضيح أكثر عن ماذا صنعنا.