كَذَبتُ عليّ يا أبي صغيرًا.. حدثتني أن مصر وطني الذي عليّ أن أدافع عنه وأن أحميه، وأن حُلمي لن يتحقق إلا هنا. بين بني وطني. قُلت لي ذلك حينما كنت صغيرًا. أنصت لك حينها كما لم أنصت لوصايا أحد غيرك. هل تتذكر.. أنا أتذكر: دنوت مني حتى التقى صوتك الذي لم يفارق مسامعي يومًا، أذني، وهمست فيها: هذا وطنك يا بني لا تتركه ولا تدع الفاسدون يعيثون فيه شرًا، يومًا ما ستحقق حلمك الذي يرادوني منذ جئت أنت إلى الدنيا. يا بني أقم العدل بين الناس. وصاياك يا أبي، حفظتها كما حفظ ابن لقمان وصايا والده. رحلت وتركتني في منتصف الطريق وأكملت أنا الرحلة أحمل الوصايا وأكررها في نفسي كل ليل.. أحفظتها للنجوم التي تطل على شرفة منزلنا. "يومًا ما سأقيم العدل بين الناس، سأصبح قاضيًا، سأحكم على الخونة والفاسدين والعملاء والجبناء ومن يسرقون مال الفقراء بالإعدام.. لا مكان لهم بين أبناء بلدنا الذين يعانون كل يوم الأمرين. لا مكان لهم في بلدنا الطيب أهله". تبكي الشمس كل صباح عندما تمر على بلدنا الفقير فارسموا البسمة على وجهها. وصيتك الأولى لي أحفظها. وصيتك الثانية: يا بني هذه الأرض ليست ملكًا لأحد، هي ملك لكل أبناء وطنك، لا تدع الفسقة يسرقونها من بين أيديكم. يا ولدي ليس لدي مال لأتركه لك. تَعلّم فحسب هذا ما كل ما أملك لأقدمه لك، لا تضرب بوصاياي عرض الحائط. ضعها نصب عينيك حتى تحقق ما أريد. أبناء أحرار في وطن حر. أبي.. نفّذت وصاياك بالحرف، وبكل كلمة.. عملت في كل المهن حتى أحقق ما تريد، التحقت بكلية الحقوق للدفاع عن الناس. وضعت صورة منصة القضاء فوق سرير غرفتي كما أوصيتني. "العدل أساس الملك"، نعم تلك حقيقة على الجميع أن يعلمها، يومًا سأعمل على ذلك. أبي أنت كاذب، نعم كذبت عليّ، قلت لي إنني سألتحق بالقضاء بمجهودي وثقافتي وإلمامي بالأمور التي ينبغي عليّ الإلمام بها، لكني في النهاية لم أُقبل يا أبي. قال لي من يختبرني إنني لست مؤهلًا للعمل في القضاء. هل تعرف لماذا رفضوني يا أبي.. لأني ابنك.. لأنك عامل نظافة. لم تقل لي إنهم كذلك. لهذا فأنت كاذب.