تحول الاقتصاد غير الرسمى «السرى» إلى قنبلة موقوتة ساهمت فى اندلاع ثورة 25 يناير، حيث يمثل، وفق تقديرات مختلفة من 22 إلى 60% من حجم الاقتصاد الرسمى، وأصبح عائقاً ضخماً أمام طموحات الرئيس عبدالفتاح السيسى فى إصلاح هيكل الاقتصاد، وعلى الرغم من تصريحات حكومات ما بعد 30 يونيو بأن هذا الملف تحديداً على رأس أولوياتها، فإن شيئاً من تلك التصريحات لم يجد طريقاً للتحقق على أرض الواقع. يقول الدكتور عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، إنه يمكن تعريف الاقتصاد غير الرسمى على أنه جميع الأنشطة الاقتصادية (زراعية، صناعية، تجارية، مقاولات) التى تتم بعيداً عن أعين الدولة ولا تخضع لرقابتها ولا تنطبق عليها قوانينها، وهو يختلف عن الاقتصاد الأسود، الذى يشمل تجارة محرمة شرعاً وقانوناً مثل المخدرات والسلاح والدعارة، فى حين أن الاقتصاد غير الرسمى يشمل أنشطة مشروعة، لكن بعيداً عن أعين الدولة ومعاييرها، مضيفاً: لا توجد بيانات مؤكدة عن طبيعة حجمه ولكن معظمها يشير إلى أنه يمثل ما بين 60 إلى 70% من حجم الاقتصاد الرسمى، أى من 1.2 إلى 1.5 تريليون جنيه سنوياً، وأيضاً لا توجد دراسات مؤكدة عن عدد العاملين به، فيما اجتهدت بعض الجهات منها اتحاد الصناعات بإعداد دراسة عن ذلك. ويتابع «السيد»: بصفة عامة يضعف الاقتصاد الموازى قوة الاقتصاد الرسمى، لأن أسعار سلع الاقتصاد غير الرسمى أو الموازى منخفضة لعدم سداد الضرائب لعدم دفع الرسوم الجمركية، لأنها رديئة الصنع غير مطابقة للمواصفات، خاصة أن مستوى الدخول لأكثر من 70% من المصريين منخفض أو متوسط. ويحدد «السيد» أسباب انتشار الاقتصاد غير الرسمى فى عدة أسباب، أهمها: انتشار العشوائيات والمناطق العشوائية، وتقشف الإدارة المحلية وانتشار الفساد، وعدم وجود الثقافة والوعى بأهمية المساهمة أو المشاركة فى اقتصاد الدولة، والروتين فى الحصول على فتح ملف ضريبى أو الحصول على تراخيص، واهتمام الدولة بالمناطق الحضرية وإهمال الريف والصعيد من غير خدمات. ويوضح «السيد» أن أكثر المناطق التى ينتشر بها الاقتصاد غير الرسمى فى القاهرة الكبرى: «دار السلام - زهراء المعادى - حلوان - المعصرة»، وفى القليوبية: «شبرا الخيمة - وقليوب وباسوس»، معلقاً: إذا أردنا العلاج لهذه الظاهرة فلا ننظر إليه من منطلق الجباية وتحسين الحصيلة الضريبية فقط، ولكن يجب أن ينظر لهذا القطاع على أنه المشغل الأكبر فى سوق العمل المصرية، فحوالى 70% من الداخلين فى سوق العمل الجدد يشتغلون فى الاقتصاد غير الرسمى خاصة بعد ثورة 25 يناير 2011 وعلينا الاستفادة من إمكانيات هذا القطاع. ويقسم الخبراء الاقتصاد غير الرسمى إلى نوعين: الأول يتمثل فى مشروعات غير مسجلة ليست لديها مستندات أو دفاتر محاسبية منتظمة أو سجل تجارى، والثانى يتمثل فى العمالة غير الرسمية التى تعمل فى مؤسسات معروفة، لكن بدون عقود وتأمينات اجتماعية وصحية، وهناك ما يقرب من 10 ملايين فرد ينتمون لهذه السوق، وبعضهم يعمل فى الحكومة دون عقود. ويقول الدكتور سمير رضوان، وزير المالية الأسبق إن الاقتصاد غير الرسمى كان -ولا يزال- أحد أهم العناصر الاقتصادية فى مصر، سواء من خلال تعاملاته مع المؤسسات والكيانات الاقتصادية للدولة، أو من خلال ارتباطه الوثيق باقتصاديات الأفراد والدورة المالية والاستهلاكية والمعيشية للمواطنين ومختلف الأسر المصرية، ما يجعل من تذليل كل العقبات التى تواجهه ضرورة من أجل تيسير عملية ضمه إلى نشاط الاقتصاد الرسمى، بما يساعده على التوسُّع فى نشاطه فى إطار من الشرعية والشكل القانونى الذى لا يزال يفتقده، والذى يحفظ له كامل حقوقه المادية والأدبية، كما يحفظ للدولة حقوقها القانونية والضريبية. ووفقاً لدراسة مهمة قام بها معهد الحرية والديمقراطية الذى يرأسه الاقتصادى البيروفى الشهير «هرناندو دو سوتو» فإن اقتصاد مصر غير الرسمى يُعد أكبر مستخدم للعمالة، فبينما يوظف القطاع الخاص القانونى 6.8 مليون شخص، والقطاع العام 5.9 مليون، يوظف القطاع غير الرسمى 9.6 مليون. وتؤكد الدراسة التى بدأ «دو سوتو» برصد موضوعها منذ منتصف التسعينات أن 92% من المصريين يحتفظون بممتلكاتهم العقارية دون سند ملكية قانونى ما يحول دون تمكنهم من الاقتراض بضمان تلك الممتلكات. وفى رأى «دى سوتو» فإن تمكين الفقراء يبدأ بإصلاح النظام القانونى لتوفير حقوق ملكية واضحة للأصول، وبالتالى تحرير رأس المال الوطنى الذى لو أعيد تقييمه قد يصل إلى أكثر من 100 ضعف الاستثمار الأجنبى المباشر وفقاً للخبير الاقتصادى، وبحسب «دى سوتو» فإن حجم الاقتصاد غير الرسمى فى مصر، شاملاً المشروعات والممتلكات غير المسجلة يبلغ حوالى 400 مليار دولار، أى نحو 2 تريليون جنيه، بما يفوق القيمة السوقية للشركات المسجلة فى البورصة المصرية 30 ضعفاً.