منافس الأهلي.. بورتو يسابق الزمن لضم فيجا قبل انطلاق مونديال الأندية    7 لاعبين مهددون بالرحيل عن ريال مدريد    أحمد الفيشاوي يثير الجدل مجددًا بظهوره ب«حلق» في أحدث إطلالة على إنستجرام    من مدريد إلى نيويورك..فى انتظار ولادة صعبة لحل الدولتين    باريس سان جيرمان ينهي عقدة تاريخية لأندية فرنسا أوروبيًا    بعد رحيله عن الأهلي.. هل طلب سامي قمصان ضم ميشيل يانكون لجهاز نادي زد؟    لاعبان سابقان.. الزمالك يفاضل بين ثلاثي الدوري لضم أحدهم (تفاصيل)    معاكسة فتاة ببنها تنتهى بجثة ومصاب والأمن يسيطر ويضبط المتهمين    متحدث الصحة: نضع خطة طوارئ متكاملة خلال إجازة العيد.. جاهزية كل المستشفيات    ديستربتيك: استثمرنا 65% من محفظتنا فى شركات ناشئة.. ونستعد لإطلاق صندوق جديد خلال عامين    مطالب برلمانية للحكومة بسرعة تقديم تعديل تشريعى على قانون مخالفات البناء    البلشي يرفض حبس الصحفيين في قضايا النشر: حماية التعبير لا تعني الإفلات من المحاسبة    القومي لحقوق الإنسان يكرم مسلسل ظلم المصطبة    الحبس والغرامة للمتهمين باقتطاع فيديوهات للإعلامية ريهام سعيد وإعادة نشرها    «سيبتك» أولى مفاجآت ألبوم حسام حبيب لصيف 2025    مدير فرع هيئة الرعاية الصحية بالإسماعيلية يستقبل وفدا من الصحة العالمية    رئيس النحالين العرب: 3 جهات رقابية تشرف على إنتاج عسل النحل المصري    وزير الصحة: تجاوزنا أزمة نقص الدواء باحتياطي 3 أشهر.. وحجم التوسع بالمستشفيات مش موجود في العالم    بحثًا عن الزمن المفقود فى غزة    مصطفى كامل وأنوشكا ونادية مصطفى وتامر عبد المنعم فى عزاء والد رئيس الأوبرا    20 صورة.. مستشار الرئيس السيسي يتفقد دير مارمينا في الإسكندرية    موعد أذان مغرب السبت 4 من ذي الحجة 2025.. وبعض الآداب عشر ذي الحجة    بعد نجاح مسابقته السنويَّة للقرآن الكريم| الأزهر يطلق «مسابقة السنَّة النبويَّة»    ماذا على الحاج إذا فعل محظورًا من محظورات الإحرام؟.. الدكتور يسري جبر يجيب    الهمص يتهم الجيش الإسرائيلي باستهداف المستشفيات بشكل ممنهج في قطاع غزة    الإخوان في فرنسا.. كيف تُؤسِّس الجماعة حياةً يوميةً إسلاميةً؟.. خطة لصبغ حياة المسلم فى مجالات بعيدة عن الشق الدينى    المجلس القومي لحقوق الإنسان يكرم أبطال مسلسل ظلم المصطبة    وزارة الزراعة تنفي ما تردد عن بيع المبنى القديم لمستثمر خليجي    برونو يحير جماهير مانشستر يونايتد برسالة غامضة    القاهرة الإخبارية: القوات الروسية تمكنت من تحقيق اختراقات في المواقع الدفاعية الأوكرانية    "أوبك+": 8 أعضاء سيرفعون إنتاج النفط في يوليو ب411 ألف برميل يوميا    قواعد تنسيق العام الجديد.. اعرف تفاصيل اختبارات القدرات    ما حكم بيع جزء من الأضحية؟    محافظ القليوبية يوجه بسرعة الانتهاء من رصف وتطوير محور مصرف الحصة    ب حملة توقيعات.. «الصحفيين»: 5 توصيات ل تعديل المادة 12 من «تنظيم الصحافة والإعلام» (تفاصيل)    استعدادًا لعيد الأضحى| تفتيش نقاط الذبيح ومحال الجزارة بالإسماعيلية    محافظ أسيوط ووزير الموارد المائية والري يتفقدان قناطر أسيوط الجديدة ومحطتها الكهرومائية    تكشف خطورتها.. «الصحة العالمية» تدعو الحكومات إلى حظر جميع نكهات منتجات التبغ    وزير الخارجية يبحث مع عضو لجنة الخدمات العسكرية ب"الشيوخ الأمريكي" سبل دعم الشراكة الاستراتيجية    مصادرة 37 مكبر صوت من التكاتك المخالفة بحملة بشوارع السنبلاوين في الدقهلية    حظك اليوم السبت 31 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    لماذا سيرتدي إنتر القميص الثالث في نهائي دوري أبطال أوروبا؟    تفاصيل ما حدث في أول أيام امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنوفية    "حياة كريمة" تبدأ تنفيذ المسح الميداني في المناطق المتضررة بالإسكندرية    بدر عبد العاطى وزير الخارجية ل"صوت الأمة": مصر تعكف مصر على بذل جهود حثيثة بالشراكة مع قطر أمريكا لوقف الحرب في غزة    وزير التربية والتعليم يبحث مع منظمة "يونيسف" وضع خطط لتدريب المعلمين على المناهج المطورة وطرق التدريس    استخراج حجر بطارية ألعاب من مريء طفل ابتلعه أثناء اللعب.. صور    أفضل الأدعية المستجابة عند العواصف والرعد والأمطار    رئيس الإنجيلية يستهل جولته الرعوية بالمنيا بتنصيب القس ريموند سمعان    ماذا قالت وكالة الطاقة الذرية في تقريرها عن أنشطة إيران؟    مصدر كردي: وفد من الإدارة الذاتية الكردية يتجه لدمشق لبحث تطبيق اتفاق وقّعته الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية قبل نحو 3 أشهر    "نفرح بأولادك"..إلهام شاهين توجه رسالة ل أمينة خليل بعد حفل زفافها (صور)    قبل وقفة عرفة.. «اليوم السابع» يرصد تجهيزات مشعر عرفات "فيديو"    عمرو الدجوى يقدم بلاغا للنائب العام يتهم بنات عمته بالاستيلاء على أموال الأسرة    عيد الأضحى 2025.. محافظ الغربية يؤكد توافر السلع واستعداد المستشفيات لاستقبال العيد    سحب 700 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز.. ضبط 4 طن دقيق مدعم بالمحافظات    سويلم: الأهلي تسلم الدرع في الملعب وحسم اللقب انتهى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات الباز: نبوءة الجد ل"أسامة" بأنه سيكون له شأن كبير
نشر في الوطن يوم 05 - 05 - 2015

بكل المقاييس، سواء كانت مهنية أو إنسانية، لم يكن أسامة الباز رجلاً عادياً، ويمكنك وضعه بمنتهى الثقة والتقدير فى خانة «العظماء»، فالمؤكد أن تلك الخانة حصل عليها الكثيرون ب«صخب وضوضاء وأضواء»، أما هذا الرجل فدخلها ب«هدوء ووطنية وأفكار» سبق بها (مع السادات) عصره، وظل على إنسانيته وبساطته وبُعده عن الأضواء حتى آخر يوم فى حياته، وإلى اليوم لا تكاد تُلقى اسم «أسامة الباز» على سمع أى مواطن عادى فى الشارع، أياً كانت انتماءاته وتوجهاته السياسية، إلا وتجد رد فعله تجاهه تقديراً واحتراماً، لم يسبقه إليهما غيره، وهذا أمر نادر الحدوث فى بلدنا هذه الأيام.
دعك من تلك المقدمة الثابت معناها وفحواها، وتعالَ نبحث معاً عن «صندوق الأسرار» الذى كان يمتلكه الدكتور أسامة الباز، فالرجل عمل مستشاراً سياسياً للرئيس الراحل أنور السادات فى مرحلة عصيبة للغاية من عمر مصر، قبل أن يكلفه الأخير بتولى مهمة على قدر هائل من الأهمية، وهى إعداد محمد حسنى مبارك من جميع الوجوه، ليصبح جاهزاً حين يشاء القدر لتولِّى حكم مصر، وهو ما حدث بالفعل، ليستمر «الباز» فى منصبه كمستشار سياسى للرئيس.. «مبارك» هذه المرة.
السؤال: تُرى ما حجم وقيمة «صندوق الأسرار» الذى يمتلكه رجل بهذه القيمة وتلك المكانة؟ والإجابة: مؤكد أن الحجم والقيمة يفوقان كل التوقعات. من هنا، دخلت «الوطن» فى رحلة بحث مضنية، للحصول على ما يمكن الحصول عليه من صندوق أسرار أسامة الباز، خاصة أن الرجل أصيب فى السنوات الأخيرة بمرض منعه من القدرة على جمع مذكراته الممتدة من قريته فى «طوخ»، مروراً بالدراسة فى الولايات المتحدة الأمريكية، إلى العودة والعمل فى سلك القضاء، وحتى الالتحاق بالعمل فى القصر الرئاسى بالتزامن مع الحرب «المصرية - الإسرائيلية» ومفاوضات «كامب ديفيد»، حتى تولِّى ملف القضية الفلسطينية.
إذن، مسألة الحصول ولو على جزء من صندوق أسراره مسألة صعبة، غير أن «الوطن» تمكنت من الحصول حصرياً على الوثائق والمذكرات التى كانت تحتفظ بها زوجته، بالإضافة إلى الكتابات والتدوينات التى كان يعلق بها على الأحداث، وتروى 30 سنة من فترة عمله بالرئاسة. تلك المذكرات رصدتها لنا زوجته الإعلامية الكبيرة أميمة تمام.
فى البداية، تحفظت السيدة بشدة، فالمسألة لها أبعاد عديدة يختلط فيها «الشخصى» ب«الأمن القومى»، وهى تدرك -قبل غيرها- أن زوجها الراحل كان بجعبته الكثير والكثير، وما زالت تحتفظ به فى مكتبته التى تشغل مساحة دورين من فيلته بالتجمع الخامس. فى المكتبة أوراق ومستندات تحمل على وجهها كلمات من نوعية «سرى» و«سرى للغاية»، بالإضافة إلى حكايات تمتد على مدار 17 عاماً من الزواج، وهى الأعوام التى كانت شاهدة على الكثير والكثير من فترة حكم الرئيس «مبارك»: قضايا.. أزمات.. اختلافات وخلافات مع النظام.. ومعلومات تكفى للحكم -بموضوعية- على نظام ما زلنا نبحث عن فهمه من أجل الحكم عليه.
محاولات عديدة ومتكررة أجريناها مع السيدة أميمة تمام للحصول على الأوراق والمستندات وحق النشر، قبل أن توافق بطلبين «أو شرطين»: الحفاظ على الأمن القومى، وصورة زوجها النبيلة التى طالما صنعها وحافظ عليها على مدار سنوات عمره. إذن، قد حصلت «الوطن» على الموافقة أخيراً، ودخلت إلى صندوق أسرار أسامة الباز، لنجد مئات الآلاف من الأوراق والمستندات المهمة، دخلنا فى «عملية فرز» مضنية فى الأوراق التى كان يتلقاها منذ التحاقه بالعمل السياسى والدبلوماسى، وحتى ما بعد اندلاع ثورة «25 يناير».
بخطه المنمق الدقيق، كتب «الباز» عشرات التعليقات والتأشيرات، وراء كل مستند قضية ووجهة نظر وحقائق يكشف عنها لأول مرة، تريد عناوين لتلك القضايا التى سنثيرها فى الحلقات القادمة من «صندوق الأسرار»؟ إليك بعضاً منها: كيف كان يعد «مبارك» سياسياً لتولى الحكم؟ وماذا كان يدور بينهما حول الخطابات التى كان يكتبها للأخير والنصائح التى وجهها له اتقاء ل«غضبة الشارع» قبل ثورة 25 يناير بسنوات، وإلى أى مدى وصل الصراع فى القضية «الفلسطينية - الإسرائيلية» وتدخلات الأطراف المختلفة فيها وفى المقدمة منها التدخلات الإيرانية؟ ومن بين أوراق «صندوق الأسرار»، نقرأ معاً الوثائق المهمة التى احتفظ بها أمير قطر آنذاك، وطبيعة تحذيرات الأمن ل«صائب عريقات»، وقائمة المتهمين بتسريب محضر اجتماع على قدر كبير من الأهمية، ونظرته إلى «عمر سليمان»، وطبيعة مفاوضاته مع الإسرائيليين، وكيف كانوا يكرهونه ويحترمونه فى نفس الوقت، وغيرها من الأسرار والتفاصيل التى نكشف عنها النقاب لأول مرة.
وفى الحلقة الأولى من «أسامة الباز.. صندوق الأسرار»، تلقى «الوطن» الضوء على الجانب الإنسانى وطبيعة نشأة أسامة الباز، وهو الجانب الذى يأتى على لسان السيدة أميمة تمام، فنرى أن جده توقع له «مكانة رفيعة»، وأوصى أمه برعايته رعاية خاصة، ورحلته التعليمية من دروس والده «الأزهرى» لتعليمه -وإخوته- النحو وقواعد اللغة، مروراً بالدراسة فى كلية الحقوق، ثم دراسته العليا فى الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى قصة زواجه من أميمة تمام التى بدأت -كما تواصل الحكى- بلقاء تليفزيونى فى برنامج «صباح الخير»، ثم حضور لقاء ثقافى انتهى ب«زلزال إعلان الزواج»، كما وصفته هى.
ما سننشره هنا هو كل ما يمكن نشره قانوناً -بعض الأوراق لا يمكن لأحد تحمل تبعات نشرها القانونية والأمنية سوى الباز نفسه وبالتالى ستظل فى مكانها حتى إشعار آخر- أو بمعنى أدق هى المادة الخام التى جمعها أسامة الباز عبر سنوات طويلة فى الدبلوماسية المصرية شارك خلالها فى صنع القرار، بل كان فاعله وصانعه فى أحيان كثيرة، وكان محركه ومحوره، وامتلك علاقات ومساحات اتصال فى الداخل والخارج مع القوى الفاعلة فى العالم ومحركى التاريخ لم تتوافر لغيره، بعض الأوراق كتبها الباز بخط يده وبعضها الآخر أشبه بيوميات، وأخرى كانت ملحوظات كتبها خلال لقاءات جمعته برؤساء ووزراء وزعماء، وعلى الهوامش تجد نقاطاً كتبها لاجتماعات مع قيادات الحزب الوطنى فى لقاءات خاصة كتب عليها «جمال»، فضلاً عن عشرات ال«بلوك نوت» التى كتب فى كل منها بضع صفحات عن محاضرات يشارك فيها وأسئلة طرحها الجمهور عليه، ومشاركات قديمة له فى مفاوضات ودروس فى التفاوض، تلك التى كانت تحمل خبراته التى أراد أن ينقلها لمن بعده. الأوراق التى تحمل سرى للغاية والتى تضرب طولاً وعرضاً فى التاريخ، من حكم السادات حتى ما بعد ثورة يناير 2011، والتقارير الاستخباراتية عن الأوضاع فى الداخل والخارج والأوراق التى ترسل من مكاتبنا الخارجية وسفاراتنا فى المناطق الملتهبة، والأوراق الخاصة بالملف الفلسطينى، خاصة فى أوقات الاشتباك التى التبست فيها المواقف، تكشف جزءاً مهماً من تاريخ مصر الحديث، كما تكشف أيضاً فى أجزاء منها بدايات دخول تركيا فى المنطقة فى أوراق رسمية وتقارير تتحدث وترصد دخولها طرفاً فى المعادلة، وكيف وضعت أول أقدامها فى الملف الفلسطينى، أما عن إيران فحدث ولا حرج، لا تبدأ بالأوراق السرية القادمة من مكتب رعاية المصالح واللقاءات الخاصة التى كانت تجرى فى قلب إيران ولا تنتهى بالتحذيرات التى جاءت من تل أبيب فى أعقاب ثورة 25 يناير، ما بين أيدينا هو كنز حقيقى لأوراق كانت ستشكل مجلدات خاصة تحمل اسم وبصمة الرجل القوى فى الدبلوماسية المصرية، رجل اقترب من السادات فى فترة غيرت مجرى تاريخ الشرق الأوسط، وأوكل له مهام أقلها صياغة فكر وخيال نائبه حسنى مبارك، وتأهيله لتولى رئاسة الجمهورية فيما بعد، ليقترن اسمه بقمة هرم السلطة مع صعود مبارك إلى سدة الحكم، ناصحاً أميناً ومعلماً ومرشداً محافظاً على خطوط فاصلة بين اقترابه من الرئيس واقترانه بالشارع، الذى كان يعرف دبيب قدمه فى حوارى السيدة زينب ومطاعم الحسين وجنبات مسجد السيدة نفيسة، وعربات مترو الأنفاق التى كان يرتادها دون حراسة، ليستمع إلى الناس ويحتوى مشاكلهم ويضع فى حقيبته أو جاكيت البدلة أوراقهم التى تحمل أوجاعاً بسيطة لحلها، الأمر الذى مكنه من قلوب البسطاء ووجدوه ابن بلد مثلهم لا متعالياً أو متكلفاً، فضلاً عن علاقاته الواسعة بالوسط الثقافى والفنى وارتباطه الوثيق بأصحاب الفكر حتى لو اختلفت التوجهات، لذا لم يكن غريباً أن نشاهد فى أوراقه الخاصة أجندات مواعيده التى كان يكتبها بخط يده وتحوى مواعيد افتتاح معارض فنون تشكيلية وحفلات وندوات يشارك فيها كمستمع ومشاهد ليستفيد من تنوع الأفكار.
ربما لهذه الأسباب ظل مبارك فى الحكم طيلة سنين طويلة، لا يعرف القلق باباً إلى عرشه، هذا القلق الذى ظهر مع إبعاده عن المشهد فى 2005 وهو العام الذى شهد للمصادفة ظهور حركات التغيير فى مصر مع إعلان حركة كفاية. وقتها لم يكن أسامة الباز بجانب مبارك لينصحه، كان الأمر بيد من تسبب فى إبعاد «عقل النظام» عن قصر الحكم، الغريب أن الأوراق التى بين أيدينا تواريخ بعضها يعود إلى فترة ما بعد إبعاد أسامة الباز عن المشهد، كانت تصله ويضع خطوطاً بأقلام ملونة تحت سطور غاية فى الأهمية، لو كانت خطوط الاتصالات مفتوحة مع مبارك وقتها لتغيرت بوصلة الأحداث، أو على الأقل لتأخر مؤشرها عن الحركة.
من هنا تكمن أهمية الأوراق التى وضعها الباز أمامه استعداداً لكتابة مذكراته، لكن المرض لم يمهل ذاكرته ليبدأ فيها قبل أن يعاجله بمشهد النهاية الذى جاء قبل أن يمنح الرجل خبراته للأجيال المقبلة فى كتاب، وقبل أن يضع أوراقه الخاصة فى مكانها الصحيح فى المذكرات،
هنا نعرض الأوراق التى تشبه الألغام فى مناطق منها، سنحاول تفكيك بعضها، ونؤجل «التعامل» مع البعض الآخر، حتى تسمح قوانين الوثائق بالنشر، التى يلاحظ منها أن الباز بدأ بالفعل فى ترتيبها ووضع بعضها فى ملفات خاصة، فيما ترك مئات منها بغير ملفات، لكنه كتب عليها ملحوظات، ليستخدمها فيما بعد فى موضعها الذى حدده لها، وهو يحكى عن تجاربه وخبراته والمواقف التى حدثت وشارك فيها، فى موضوعات الصراع العربى الإسرائيلى، والمفاوضات التى جرت، وإيران وملفها النووى، والعراق واليمن والسعودية، ولبنان والصراعات الطائفية والمذهبية، وكيف أدارت مصر الأزمات التى حدثت داخلها، وقطر وصعودها ودورها فى لبنان وعلاقاتها ب«حماس» وتركيا، وقصة ظهور أردوغان فى المشهد وكيف بدأ، وعلاقة تركيا بإسرائيل والوساطة التى قام بها أردوغان بين دمشق وتل أبيب، فضلاً عن واشنطن التى كانت شريكاً فى كل التفاصيل وجزءاً لا يتجزأ من لعبة الأحداث التى حركت العالم، بالإضافة إلى الملف الليبى حتى بعد رحيل القذافى، التى تكشف بدورها أن الباز ظل على علاقة وثيقة بالأحداث حتى رحيل مبارك، بعكس ما هو شائع، فالاختفاء والإبعاد عن المشهد لم يمنع الوثائق والأوراق من الوصول إلى مكتبه حتى المرة الأخيرة التى ذهب إليه بعد 11 فبراير لينقذ ما يمكن إنقاذه من أوراق.
الملف الأكبر فى أوراق أسامة الباز هو ما يتعلق بفلسطين، الملف الذى قضى فيه سنوات عمره، مفاوضاً ولاعباً أساسياً، الملف تضخمت أوراقه لتضم أوراقاً بعضها بروتوكولية -برقيات معلومات أو ملخصات لما تناولته وسائل الإعلام- وبعضها الآخر غاية فى الأهمية، وبين «البروتوكول» و«المهم»، تجد أوراقاً كُتب عليها «سرى» و«سرى جداً» و«عاجل للأهمية» و«فورى» تحتوى معلومات استخباراتية فى موضوع ما أو مقابلة خاصة تكشف معلومة جديدة.
ولمع اسم «الباز» فى الحياة السياسية المصرية طوال العقود الثلاثة الماضية بمستوييها الرسمى والشعبى، وكانت قوة شخصيته سبباً فى إزالة الاغتراب والحواجز بينه والكثيرين، لا سيما أن خطابه الإصلاحى بدا أمام معظم النخب المصرية متطوراً عن شخصيات متعددة قريبة من نظام الحكم. لذلك كان السؤال الحاضر الغائب: لماذا لم ترَ رؤاه لأهمية الإصلاح والتغيير طريقها للتطبيق طوال السنوات الماضية؟!
وعلى الرغم من تأثيره البالغ فى مجال عمله، فإن «الباز» ظل مخلصاً للاشتراطات غير المعلنة لطبيعة منصبه، لذلك، فإنه على قدر إسهاماته فى مجال الفكر السياسى، ظل الأكثر صمتاً على ترسانة المعلومات والأسرار التى يحملها فى ذاكرته. واستطاعت «الوطن» اختراق ذلك الحصن المنيع حول أسرار الرجل، من خلال زوجته الإعلامية أميمة تمام، وسننشر، على عدة حلقات، ما يمكن أن تسمح به قيود العمل الدبلوماسى من أسرار وتفاصيل عن حياة الرجل.
نبدأ من ملف الحياة الشخصية والمهنية ل«أسامة الباز» والذى نحكيه على لسان أميمة تمام:
فى يوم من أيام يوليو الحارة فى قرية طوخ بالقليوبية عام 1931، ولدت الأم ابنها الثانى من الشيخ السيد الباز، وفرح أهل المنزل بقدوم الولد، وقرر الوالد الشيخ أن اسمه سيكون «أسامة». وبعد عامه الرابع، تنبأ الجد أن «أسامة» سيكون له شأن كبير، بالمقارنة بباقى أشقائه، فسألته الأم: «لماذا؟»، ولم يجب الجد، لكنه شدد عليها أن تهتم به، ومنذ تلك اللحظة والأم لا تنسى نصيحة الجد.
كان اهتمام الأسرة بالتعليم أكثر من أى شىء آخر، ولأن والده رجل أزهرى، فقد حرص على تعليمه القرآن الكريم واللغة العربية بشكل سليم، وكان الأب كل يوم يجمع الأبناء ليعلمهم قواعد النحو، ولفت انتباهه أن «أسامة» كان أكثرهم ذكاءً، ذكاء يسبق سنه بمراحل كثيرة، لم يكن طفلاً مثل باقى الأطفال المهتمين باللعب فقط، بل كان يفضل القراءة، ويبحث عن المعرفة.
مرَّ «أسامة» بالمراحل التعليمية المعتادة، حتى انتهى من البكالوريا، وقتها قرر أن يلتحق بكلية الحقوق، وهى كلية القادة والقامة، ولأن شغفه بالقانون أهّله لكى يكون من المتفوقين بالكلية، حصل على ليسانس الحقوق فى 1954، وقرر أن يكمل دراسته العليا فى الولايات المتحدة، وقتها مرض الأب، وكان «أسامة» يعمل وكيل نيابة، ومن الصعب أن يترك الأسرة ويسافر فى هذه المحنة، فقرر أن يؤجل سفره لمرافقة الأب ورعايته، لم يكن يتركه أبداً.
ورغم تعلقه الشديد بوالدته، فقد كانت للأب مكانة خاصة لدى «أسامة»، فهو معلمه الأول، كان يعتز دائماً بأن والده من شيوخ الأزهر، وأنه سبب إتقانه اللغة العربية الفصحى، والخط العربى، وفى كثير من الأحيان كان «أسامة» يتذكر والده وهو يجمع أبناءه ويعطيهم دروساً فى القيم والأخلاق والدين، لم ينسَ حتى نهاية العمر الدعاء الذى علمه إياه، خاصة فى أحلك المواقف والمصاعب: «اللهم اكفنى شر حب المال»، كان الأب يجعلهم يكررون الدعاء، وهكذا ظل راسخاً فى ذاكرته مدى العمر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.