"شفت في العين اليمين، المكن والشغالين، والمدارس والعيال، والسفاين والكنال، شفت مكنات الطحين، والحصاد والفلاحين، والمصاطب والقمر، ع المنادر والشجر".. كلمات تغنى بها المطرب محمد قنديل من شعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي، الذي عبر عن تقدير المجتمع والدولة كلها لهذه الأيادي الطيبة التي لا تعبأ بمعاناتها في مقابل رفعة بلادها، إلا أن ذلك التقدير من الدولة تحول إلى واقع مرير بعد أن بات الآلاف من العمال مشردين بلا مأوى أو عمل، فهناك عمالة أصُدرت بحقها قرار فصل نتيجة لبث آرائهم عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، وأخرى بسبب ممارسة نشاط عمالي والانضمام للنقابات المستقلة مرورًا بالتضامن مع زملاء العمل والمشاركة في التظاهرات والدعوة إلى الإضراب والاعتصام لتبقى النتيجة واحدة وتتحكم "ورقة إدارية" في مصير رزقهم وتحول حياتهم إلى جحيم. "يا أخي الراجل مش عاوز يشغلكوا، هتشتغلوا عنده بالعافية يعني؟.. خدوا اللي هيديهولكم واسكتوا".. بنبرة بائسة يروي أحمد الدرديري، حكايته وزملائه الذين تم فصلهم من شركة "إليكوا إيجيبت" بمحافظة السويس، عقب إدعاء صاحب العمل أن الشركة حققت خسائر طائلة، بقوله: "إحنا كنا 70 عامل.. الشركة قررت فصلنا وقفل باب الرزق في وشنا، وخبطنا علي كل الببان من وزارة القوي العاملة والهجرة، لحد المهندس إبراهيم محلب اللي بعتناله استغاثات عاجلة عشان يحل مشكلتنا لكن مكانش في نتيجة"، وعقب سلسلة من المفاوضات والاستغاثات، استسلم أحمد وزملائه للواقع ووافقوا لاستلام مكافأة نهاية الخدمة وترك العمل، "أديني قاعد في بيتي بقالي شهرين بصحى الصبح كل يوم أدور على شغل جديد بعد ما فلوس المكافأة قربت تخلص، وما نابنيش لحد دلوقتي غير تعب رجلي وبس". العامل الأربعينى الذي رفضت المصانع تشغيله ينظر إلى طفله الذي لم يبلغ من العمر 3 سنوات وهو يتعلم المشي وإلى جانبه شقيقه الثاني يذهب إلى المدرسة الإبتدائية التي تحتاج إلى قدر كبير من المصروفات، "أنا مش خايف غير من إن ييجي يوم أضطر فيه إني أطلع ابني من المدرسة عشان مش لاقي أصرف عليه"، فبعد أن قضى الدرديري 12 سنة في خدمة شركته، استغنى عنه صاحب العمل في ثوانٍ بورقة صغيرة، ليأتي عليه العيد الذي تحتفل فيه الدولة بأمثاله وهو يفكر في اليوم ألف مرة من أين سيأتي بمصروفات الغد ولسان حاله يقول: "ده اللي شغال شايل هم الغلا أومال اللي مش شغال هيصرف منين؟!". ذوي الإعاقة أيضًا لم ينجوا من قرارت الفصل التي طالت العمال، ليلحق محمد جمعة، عامل من ذوي الإعاقة طاردته الشركة الوطنية للزيوت أثناء محاولته وزملائه الاحتجاج على بعض سياسات الشركة، وقطعت عليهم الماء والكهرباء، في محاولة لترهيبهم لفض الاعتصام ولم تكتف بذلك بل أعطته إجازة لمدة شهر على ثلاث فترات، لتنتهج عقب ذلك سياسة الخصم من الراتب، ثم الفصل بشكل نهائي عن العمل، مرت علي تلك الحادثة عام كامل، لكن "جمعة " لم يستطع أن ينسى تلك الواقعة المريرة التي مرت به أثناء الاعتصام، "إحنا كنا معتصمين في الجراج بتاع الشركة، فوجئت وأنا نايم في أوتوبيس من بتوع الشركة بعربية بيخرج منها كلاب بوليسية جية ناحيتي وأنا مش قادر أتحرك، ملقتش قدامي غير إني أرمي نفسي من شباك الأتوبيس". إجراءات فصل الشاب الأربعيني المعاق من الشركة انتهت عقب ستة أشهر من المُعاناة، أخذ مكافأة مالية على خدمته، إلا أنه لا يزال تائه بين وزارة القوى العاملة ومحافظة الإسكندرية، ومكتب التأهيل المهني، يقول: "قاعدين يحدفوني لبعض وأنا عاجز ومش عارف أصرف على عيالي ومراتي منين؟.. بعت فاكسات واستغاثات للدنيا كلها ومحدش سامعني، ومش عارف فين حقوق المُعاقين اللي بيتكلموا عنها في التليفزيون". لم ينتظر الدولة حتى تنظر له عقب أن أصبح في منتصف الأربعينيات من عمره، اجتهد رياضيًا وأصبح "مدرب كونغ فو" ليحاول أن يعيش هو وزوجته برفقة أربعة من أولاده، "الدولة لا بتحترمني ولا تحترم أولادي المفروض إني بطل رياضي ومعايا مؤهل ودورات، بغسل أطباق في فنادق وبتهان وبيتقل بقيمتي"، مختتمًا حديثه دون أن يكون له أمنيات في يوم افتخرت الدولة بتكريم أمثاله: "أنا نفسي اشتغل واتوظف". تحدثت "الوطن" إلى وزيرة القوى العاملة والهجرة الدكتورة ناهد عشري، التي أكدت على مواصلة العمل لحل أزمة المفصولين، موضحة أن أغلب ملفات العمالة يتم النظر فيها من قبل مديريات القوى العاملة والهجرة ومكاتبها بمختلف المحافظات لبحث كافة الشكاوى وتسويتها أو إحالتها للقضاء إذا تعثرت التسوية الودية. "عشري" أشارت إلى أنها شكلت لجنة لفحص ودراسة حالات الفصل التعسفي للعاملين المخاطبين بأحكام قانون العمل، وانتهت إلى حصر العمالة المفصولة ب15 ألف عامل تقريبًا من بينهم حوالي ما يقارب من 700 حالة ملحة دائمي التردد على الوزارة والمنظمات النقابية العمالية للمطالبة بإعادتهم إلى أعمالهم. الوزيرة أكدت أن جهود اللجنة أسفرت عن تسوية ودية ل180 عاملًا، عن طريق إعادة العمال إلى أعمالهم أو توفير فرص عمل بديلة تم قبولها، إلا أن باقي الحالات تمسكت بأماكن عملها ورفض البدائل على حد قولها. ياسر منصور، المنسق القانوني لحملة العمال المفصولين، أكد أن الرقم الذي أعلنته وزارة القوى العاملة والهجرة إحصاءً للعمالة المفصولة في مصر غير صحيح ولا يمثل كافة العمالة المفصولة، مشددًا على أن أعداد العمالة المفصولة يفوق الرقم المعلن، خاصة مع وجود عمال لم تتقدم بأوراق فصلها إلى اللجنة لتحفظهم على أدائها من ناحية أو عدم علمهم بوجود تلك اللجنة بالأساس . "منصور"، أوضح أن المشكلة تكمن في عجز قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، والذي لا ينص على أي وسيلة ردع لأي صاحب عمل أو مؤسسة تفصل العمال فصلًا تعسفيًا، منوهًا بأن العقوبة التي يتم تطبيقها على صاحب العمل مجرد غرامة بقيمة 50 جنيهًا فقط، وتابع: "في هذه الحالة يضطر العامل المتضرر إلى اللجوء إلى القضاء وخوض سلسلة طويلة من القضايا والمحاكمات قد تستمر أكثر من 3 سنوات، دون أن يكون هناك مرتب يصرف منه العامل على نفسه وأسرته ولا حتى صندوق إعانة للبطالة".