استعرض راسم عبيدات، المحلل السياسي الفلسطيني، تجربته في الأسر داخل معتقلات الاحتلال الإسرائيلي، موضحًا مدى الممارسات الوحشية من قبل الجنود الإسرائيليين تجاه الأسرى الفلسطينيين والانتهاكات المتكررة لحقوقه كإنسان. وأشار عبيدات في حواره ل"الوطن"، إلى أن البقاء في الغرفة لمدة تزيد عن 22 ساعة متواصلة في ظل عمليات دهم وتفتيش مستمرة هو شيء صعب ومخيف، وهناك مرضى يعانون من مرض مزمن ولا يقدم لهم العلاج ، ومعزولين في زنزانة انفرادية لفترة طويلة يصل بهم الحال للجنون والأمراض النفسية.. "الوطن" حاورت المحلل السياسي الفلسطيني للتعرف أكثر عن الانتهاكات ضد الفلسطينيين في سجون الاحتلال.. - ما هي تجربتك داخل سجون الاحتلال كأسير؟ بالنسبة لتجربتي في سجون الإحتلال ومعتقلاته فهي متنوعة وغنية، وكانت بدايتي مع الاعتقال في عام 1972 ومن 1982 حتى 1985، وفي تلك الفترات كانت الحركة الاعتقالية الفلسطينية تمتاز بالصلابة والقوة والتماسك، وفي مراحل تثبيت وجودها ونزع حقوقها ومكتسباتها والتي عمدت بدماء الشهداء من أبناء الحركة الأسيرة، واستشهد العديد من الأسرى في الإضرابات المفتوحة عن الطعام، منهم "عبدالقادر أبوالفحم، وراسم حلاوة، وعلي الجعفري وإسحق مراغه، وأنيس دولة" وغيرهم، وما يميز تلك الفترة والتجربة بأن الأداة التنظيمية الوطنية للحركة الأسيرة كانت موحدة بين كل مركبات العمل الوطني الفلسطيني، ولم تكن القوى الإسلامية التحقت بالعمل الوطني. وعندما اعتقلت في المرات اللاحقة عامي 2001 و2005، كانت الأوضاع والظروف في المعتقلات قد تغيرت، ودخلت إلى المعتقلات بعد الانتفاضتين الأولى 1987 والثانية 2000، أعداد كبيرة من الأسرى، وبسبب عملية تبادل الأسرى في مايو 1985، والتي تحرر فيها 1150 معتقلًا فلسطينيًا معظمهم من الأحكام المؤبدة والعالية، وتلك الصفقة التي قادتها الجبهة الشعبية بالقيادة العامة أحمد جبريل، وتركت تلك القيادات الاعتقالية ذات الخبرة والتجربة الطويلة بصماتها على أوضاع الحركة الأسيرة، من حيث الوعي والثقافة والتجارب والخبرات، كذلك فإن مجيء أوسلو أيضًا ساهم إلى حد كبير في التراجع في أوضاع الحركة الأسيرة، ليزداد الوضع صعوبة بسبب الانقسام بين حركتي فتح وحماس، وأصبح هناك فصل بين أسرى منظمة التحرير وأسرى حماس ولم تعد الأداة التنظيمية الوطنية موحدة ولا القيادة الاعتقالية ولا قراراتها. - ما هي التهم التي وجهت إليك من قبل الاحتلال الإسرائيلي؟ بالنسبة للتهم التي وجهت لي في اعتقالاتي المتكررة والتي بلغت عشرة أعوام، كانت تتمحور حول النشاط في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والنشاط في أطرها ومؤسساتها المختلفة ودوري القيادي بها، وفي الاعتقال الأخير، كانت التهمة العضوية القيادية في الجبهة الشعبية والترشح لانتخابات المجلس التشريعي في مدينة القدس عن الجبهة الشعبية، لأن إسرائيل تحظر نشاط الجبهة في القدس، رغم أن الانتخابات جرت بموافقة دولية وأمريكية بما في ذلك في القدس. - كيف كنت تقضى وقتك في معتقلات الاحتلال؟ كنت استثمر وقتي في المعتقل الجزء الأكبر منه في قراءة الكتب السياسية والثقافية والمشاركة في إصدار المجلة الداخلية للجبهة في المعتقل "الهدف"، وكذلك القيام بإعطاء جلسات ثقافية وسياسية للمعتقلين من أجل توعيتهم وتوسيع مداركهم وقدراتهم على التحليل والمعرفة بالواقع والواقع المحيط بهم، بالإضافة إلى التفاعل مع الأسرى على المستوى الاعتقالي فيما يتعلق بهموم الأسرى والمعتقل، وما تقوم به إدارات مصلحة السجون الإسرائيلية من إجراءات وممارسات قمعية هدفها التضييق على الأسرى والمعتقلين، ومنعهم من ترتيب وتنظيم أوضاعهم الداخلية، والتضييق عليهم في التواصل مع الخارج وزيارة الأهل وغيرها. - ما هي الانتهاكات التي واجهتها داخل المعتقل؟ الانتهاكات التي واجهتها في المعتقلات الإسرائيلية هي قريبة ومتشابهة إلى حد كبير مع الإنتهاكات التي تعرض لها أغلب الأسرى الفلسطينيين، وفي التحقيق يمارس ضد المعتقل أساليب تحقيق جسدية ونفسية متعددة الأشكال منها الحرمان من النوم لفترات طويلة، والشبح مغطى الرأس على كرسي صغير مقيد اليدين بطريقة مؤلمة جداً، الحرمان من قضاء الحاجة، والعزل في زنازين انفرادية، والضرب، والخنق، والوقوف لفترات طويلة، والصراخ والموسيقى الصاخبة في أذن المعتقل، والتهديد باغتصاب الزوجة أو الأخت أو الأم، وإحضار الأم والأب من أجل الضغط على المعتقل وغيرها، وفي السجن يجرى حرمان المعتقل في الكثير من الأحيان من زيارة الأهل والالتقاء بالمحامي وأية مؤسسة حقوقية تزور المعتقل، وكذلك التعرض للعزل الانفرادي والعقوبات غير المبررة بالنقل المستمر من سجن لآخر، والمداهمات والتفتيشات المذلة والمهينة لأجساد وغرف وممتلكات ومقتنيات الأسرى ومصادرتها أكثر من مرة، ووضعهم في غرف وزنازين تفتقر إلى أدنى متطلبات الحياة البشرية، من ناحية الاكتظاظ وعدم وجود تهوية، ناهيك عن سوء الطعام من حيث النوعية والكمية ورداءة التصنيع. - كم الفترة التي قضيتها داخل سجون الاحتلال؟ الفترة التي قضيتها في سجون الإحتلال بشكل متقطع، هي عشر سنوات، فأول مرة اعتقلت عام 1979، عندما كنت طالبًا في جامعة بيت لحم ، بسبب التظاهر ضد روابط القرى العميلة في أعوام 1982 و1985 و2001 و2005. - هل واجهت سجون الاحتلال بإبداعك في كتاباتك أثناء فترة الاعتقال؟ نعم بالنسبة لي كنت أقضي معظم وقتي بالقراءة والكتب، ووضعت الخطوط العامة لكتابين أصدرتهما في المعتقلات هما "صرخات في زمن الردة" عام 2007 و"من ذاكرة الأسر" 2009. - هل تعرضت لمحاولة اعتقال مرة أخرى عقب تحررك من المعتقل؟ نعم أكثر من مرة جرى استدعائي للتحقيق من بعد تحرري، وكنت أعتقل واحتجز لفترات قصيرة، وأن الاحتلال يبقى يطارد المعتقلين بعد تحررهم، والتضييق عليهم، وبعد التحرر أكثر من مرة تعرضت للإقامة الجبرية بمنع خروجي من القدس والدخول للضفة الغربية، بزعم أنني أشكل خطرًا على دولة الاحتلال. - ما هو أصعب شئ أثر عليك بالسلب في المعتقلات الاسرائيلية؟ لا يوجد شيء محدد نقول إنه صعب أو سهل في المعتقلات "السجن وجدرانه ورطوبته، والبقاء في الغرفة لمدة تزيد عن 22 ساعة متواصلة في ظل عمليات مداهمة وتفتيش مستمرة"، وهو شيء صعب ومخيف، وكذلك المريض الذي يعاني من مرض مزمن ولا يقدم له العلاج، هو شيء لا يحتمل، والمعزول في زنزانة إنفرادية لفترة طويلة والمعزول بشكل كلي عن العالم الخارجي، شيء يوصل للجنون والأمراض النفسية، والأسير المحروم من زيارة الأهل واحتضان والدته أو أطفاله شيء صعب، ومن يتلقى خبر وفاة والده أو والدته شيء مؤلم جداً دون أن يتمكن من رؤيتهما أو المشاركة في وداعهما.