يخوض التحالف العربى المكون من مصر ودول الخليج والأردن صراعاً شرساً للحفاظ على الأمن العربى. بدفاعها عن الأمن العربى، فإن دول التحالف تدافع أولاً عن نفسها بعد أن أصبح بقاؤها مرادفاً لأمن الإقليم العربى. الدولة هى وحدة بناء النظام الإقليمى العربى كما فى غيره من أقاليم العالم، وعندما تصبح وحدات بناء النظام الإقليمى مفتتة وهشة، فإن النظام الإقليمى كله يصبح معرضاً للانهيار. العراق وسوريا وليبيا واليمن بلاد تتفتت، ومع انهيارها يتعرض الأمن الإقليمى للخطر. الدولة هى الكيان المخول بالحفاظ على الأمن داخل إقليمها، لكى يتاح للدول بعد ذلك العمل فيما بينها من أجل الحفاظ على الأمن الإقليمى فى جملته. تنهار الدول، فتعجز عن توفير الأمن داخل حدودها، فتكف الحدود عن أن تكون وعاء يمنع عوامل الصراع والتفتت من الانتشار فى الإقليم. عندما ينهار عدد كاف من دول الإقليم الرئيسية تتحرك قوى الفوضى عبر الحدود لتوجه ضرباتها إلى الجيران، وهذا هو ما وصل إليه الحال فى العالم العربى. قوى الفوضى والتطرف الطائفية والإرهابية التى طالما نجحت الدول العربية فى احتوائها والسيطرة على شرورها باتت تتحرك عبر حدود الدول لتدمير ما بقى سالماً من الدول. فى مواجهة وضع كهذا لا يصبح أمام الدول سوى أن تنتقل للهجوم لمحاربة قوى الشر والفوضى فى أماكن انطلاقها. فى وضع كهذا لا يمكن للحياد أن يكون اختياراً، ولا يمكن التذرع بعدم التدخل حجة لتبرير التقاعس، فإذا لم نذهب لمحاربة التهديدات فى مصدرها، فإن التهديدات ستأتى لنا فى دارنا، وعندها ستكون التكلفة أكثر فداحة. كانت مصر تحت حكم الإخوان مرشحة للفشل والتحول إلى مصدر لتهديد الجيران والإقليم كله، ولهذا كان الثلاثون من يونيو تحولاً استراتيجياً إقليمياً بامتياز وليس مجرد تغير سياسى فى واحدة من دول الإقليم. التهديد المقبل من مصر الإخوانية الفاشلة كان له أن يكون كبيراً وكاسحاً بحجم مصر السكانى والثقافى وبمركزية موقعها الجغرافى، ولهذا تلقت دول الخليج ومعها الأردن خبر الثلاثين من يونيو فى مصر بارتياح شديد، ولهذا أيضاً سارعت بتقديم الدعم له تثبيتاً لأركانه، فالفارق فى العالم العربى كبير بين أن تكون مصر معك أو أن تكون عليك. الوقوف إلى جانب مصر وهى تخرج من المحنة الإخوانية كان حتمياً واستراتيجياً، وليس عملا من قبيل الصدقة أو حسن النية، وعلى الجانب الآخر فإن تضامن مصر مع السعودية والخليج فى المحنة اليمنية لا يأتى من باب رد الجميل، أو الحرص على أموال المساعدات، فالمصلحة كانت مشتركة ومؤكدة فى الحالة الأولى، كما هى مشتركة ومؤكدة فى الحالة الثانية. توافق المصالح الأمنية والاستراتيجية بين مصر وحلفائها العرب هو ما يمنح التحالف العربى صلابته وقوته، وهو ما يقيه شر تقلبات الأهواء وتغير الأشخاص، فمن يفرط فى هذا التحالف أو يعرضه للخطر يكون كمن يصوب النار نحو رأسه، يسرى هذا على مصر كما يسرى على حلفائها العرب. توافق المصالح الأمنية والاستراتيجية لا يعنى التطابق الكامل فى الرؤى والتقديرات، وهذا حال التحالفات فى كل زمان ومكان، ولكنه يعنى أن ما يجمع أطراف التحالف أكثر كثيراً مما يفرقهم، وأن حرص أطراف التحالف على تماسكه يدفعهم للتفاهم حول الخلافات عبر تبادل تقديم التنازلات والمنافع. لم يكن الأمريكيون والأوروبيون متوافقين تماماً فى الرؤى زمن الحرب الباردة، ولكنهم كانوا يدركون أن بقاء التحالف بينهم ضرورة فرضتها الحرب الباردة والتهديدات النووية، فصمد تحالفهم فى وجه أزمات عديدة، وعلى منوال مشابه يتقدم التحالف العربى الراهن فى الطريق السليم، أما الأوهام التى شارك فى ترويجها الإخوان، وعملاء إيرانوتركيا حول خلافات مصرية سعودية مؤخراً، فقد تبين أنها كانت من قبيل الأمنيات ولم تكن تعبر عن الواقع فى شىء. نعم حدثت وستحدث خلافات فى التقديرات والرؤى، ولكن أطراف التحالف العربى يديرون هذه الاختلافات، ويستنتجون منها أشياء تختلف تماماً عما يتمناه ويستنتجه الخصوم الإخوان الإيرانيون وحتى الأتراك. تحالف مصر والخليج والأردن له بعد عربى مؤكد، فالصراع على هوية المجتمعات والدول والإقليم هو أحد الموضوعات الرئيسية التى يدور حولها الصراع الراهن، وليس مصادفة أن تكون إيران الفارسية هى الخصم الرئيسى فى هذا الصراع، ولا أن تتردد تركيا وباكستان فى أخذ الجانب العربى فيه. العروبة فى فهم أطراف التحالف العربى مظلة واسعة تتعايش وتزدهر ضمنها هويات وطنية وتنوعات ثقافية، وهذا هو سر قدرة أطراف التحالف العربى على صيانته وتدعيمه. إنها عروبة معتدلة تحترم سيادة الدولة الوطنية، وتعمل على تعزيز بقائها، وتقبل بتنوع الرؤى وتعددها، وهى عروبة نقيض لعروبة الماضى العصبية والأحادية والتوسعية التى تم استخدامها من جانب بعض العرب لإرهاب البعض الآخر والتوسع على حسابهم، ولهذا أرشح التحالف العربى الراهن للصمود والبقاء. التحالف المصرى السعودى هو الركيزة الأهم لهذا التحالف العربى، فهما الأكبر والأقوى، الأولى بسكانها ومجتمعها الحيوى المتنوع، والثانية بثرواتها. مصر والسعودية معاً تمثلان مكونات الهوية العربية التى يسعى الخصوم لتدميرها، ففيما تمثل مصر بخبرتها العميقة والطويلة مع الحداثة والانفتاح أفق ومستقبل الهوية والثقافة العربية، تمثل السعودية بمكانتها الإسلامية ركيزة ومكوناً مؤكداً للهوية العربية. التحالف المصرى السعودى يوفر للتحالف العربى قوة ضاربة، ووجود البلدين معاً فى المعسكر نفسه يكسبه توازناً، ويحد من فرص الهيمنة والتفرد، ويوفر لباقى أعضاء التحالف مظلة آمنة تحميهم من تغوّل الأعداء الخارجيين، وتؤمّنهم ضد محاولات هيمنة قد تأتى من أشقاء تلعب برؤوسهم غواية القوة والثروة والمكانة، ولنا فى تاريخ العرب القريب خبرة أليمة مع هؤلاء.