وسط سيل الأخبار المنهمر الذى يستدعى التعمق فى الكثير من تفاصيله، قفزت إلى ذهنى «نكتة» رواها لنا فى باريس الراحل العظيم شاعر الثورة الأم صلاح جاهين.. كان ذلك فى أواخر سبعينات القرن الماضى، وبعد مظاهرات 18 و19 يناير 1977 التى أطلق عليها الرئيس الراحل أنور السادات انتفاضة الحرامية، تقول النكتة: إن الشرطة ألقت القبض على رجل يوزع «منشورات» وبعد القبض عليه «اعترف» بأنه يوزع منشورات.. تفحص المحقق الورق فوجده أبيض تماماً، اندهش وهو يعيد السؤال: هذه منشورات؟ تكررت الإجابة: نعم.. استفسر المحقق: كيف وهى بيضاء ولم تكتب بها كلمة واحدة.. أجاب الرجل: حاكتب إيه.. ولا إيه.. ولا إيه؟ فعلاً بتنا فى حيرة.. ماذا نكتب والمواضيع كثيرة ومهمة بدءاً من استغلال منابر المساجد فى تكفير المعارضين للرئيس محمد مرسى واستشراء القصاص الفردى ومروراً ببروز «جماعات» تريد فرض رؤيتها على هوية مصر والمصريين باسم الإسلام، ولكل منها إسلامه، وانتهاء بالمطالب التى بدأ تنفيذها على أرض الواقع، بتطهير مصر من الكفرة الذين يدخل فى زمرتهم المصريون الأقباط كما شاهدنا فى المنيا حيث أحنت الدولة رأسها وأذعنت لمطالب «عشرات»؟! من شباب السلفيين بفض حفل موسيقى أقامته، تحت رعاية المحافظ، جمعية «إيد فى إيد» الأهلية ويتضمن، والعياذ بالله، أناشيد وطنية وصوفية وترانيم قبطية؟! وكل هذا حرام شرعاً، ولا تسأل.. أى شرع يقصدون؟ غير أن ما تقدم واحتل الأولوية على كل هذه الهموم هو دعوة الرئيس أو تهديده، حيث بات التهديد هو لغة الحوار الآن، بثورة جديدة ضد الفاسدين!! وتلك أعجب دعوة سمعتها فى حياتى.. فالرئيس المنتخب شرعياً يدعو إلى ثورة جديدة.. والثورة تعنى «الخروج» على الحاكم.. وفى ذات الوقت دعا خطيب الجمعة فى مسجد عمر مكرم بأسيوط، حيث أدى الرئيس الصلاة، إلى «قتال» من يخرج عليه؟! وحتى لا يتساءل البعض لماذا يرى نفر من الناس أن حكم مبارك كان أرحم على المعارضين والمحتجين.. وأعود إلى الثورة التى يهدد د. مرسى بإشعالها.. وأسأل: أنت يا سيادة الرئيس تمتلك بفضل الثورة من السلطات ما لم يتوفر لأى حاكم مصرى على مر التاريخ.. ولديك تفويض بتحقيق مطالب الثورة والثوار الذين خرجوا باسم شعب مصر، فهل دعوتك أو تهديدك بالثورة ناجم عن عجزك عن تنفيذ الحلم المصرى؟ وهل ما يجرى فى الوطن الآن من تهديدات «بالدم» حتى فى حضرتك، كان من طموحات ثورة يناير؟ ولماذا تعتقد أن الجماهير سوف تلبى «تهديدك» وتقوم بثورة جديدة، وهى لا تعرف مع مَن.. أو ضد مَن؟ وأنت لم تفصح عن «الفاسدين والعابثين» ولم تقدم عربوناً ولو صغيراً للشعب فى مجال العدالة الاجتماعية! الواقع أن الرئيس ربما فاته أن فى مصر الآن تداولاً للسلطة!! ومن أجل ذلك أيضاً قامت الثورة.. فبلاش ثورة، وخليها انتخابات!