سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بالفيديو| "الوطن" تحتفل مع "أبلة فضيلة" بعيد ميلادها السادس والثمانين أبلة فضيلة: لما بشوف الأطفال بيجروا عليا ويغنوا يا ولاد يا ولاد بحس إن عمري مراحش هدر"
الساعة تقترب من العاشرة صباحًا، أثير إذاعة "البرنامج العام" يتراقص بمقدمة غنائية حفظها الأطفال عن ظهر قلب، تستعد عقولهم الصغيرة للدخول في رحلة ساحرة مع الخيال، تارة يقابلون ذلك الحيوان الذي يزهو بقوته داخل الغابة ويوقعه غروره في شر أعماله، وأخرى يقابلون التاجر الغني الذي أفقده طمعه كل شيء، ثم يصطدمون بفقيرٍ طيب يبدو أسعد خلق الله بسبب قناعته. حكايات عاشتها أجيال متعاقبة، 10 دقائق فقط كانت كفيلة ببث قيمٍ لم تنجح كتب بأكملها في نشرها، لتصبح "حواديت أبلة فضيلة" بوابة تجمع الأطفال بعالمهم، ويلتقي فيها الكبار بطفولة بريئة افتقدوها في زمنٍ لا يعرف الرحمة. في منزل واسع تسكنه وحيدة، وسط مجموعة منتقاة من الصور التي تعكس حنينها إلى الماضي، جلست الإعلامية فضيلة توفيق لتحتفل مع "الوطن" بعيد ميلادها السادس والثمانين، الذي وافق أمس، تفتح خزائن الذكريات، وتروي "حدوتة العمر" التي كان بطلها ميكروفون الإذاعة والأطفال على مر العصور، لم يخل حديثها من الحديث عن مستقبلٍ تمنته مشرقا لبلدٍ "هي الأم"، على حد قولها. "المحامية فضيلة".. اللقب الأول الذي حصلت عليه تلك الفتاة العشرينية، التي قضت عامين من عمرها داخل أروقة المحاكم مع مظاليم الحبس أو أرباب الجرائم، إلا أن مقابلتها مع ذلك الأب الروحي غيرت مسار حياتها، "لما قابلت بابا شارو سنة 53 طلبت منه إني اشتغل معاه في ركن الأطفال بالإذاعة وهو رحب بده جدا، وبدأت أشارك في تقديم البرامج لحد ما مسكت مكانه رئاسة برامج الأطفال بعد ما هو راح التليفزيون". قصة العشق بين "أبلة فضيلة" وحواديت الأطفال، تعود إلى ذلك الرجل الستيني الذي كان يجلس محدقا في حفنة من أطفال، اصطفوا جميعا للاستماع إلى حكايته، "جدي كان ليه طريقة جميلة في حكي الحواديت، كان دايما يقول الحدوتة بصوت هادي ونغمة لسه بترن في ودني، ومنه أخدت طريقة إلقاء الحواديت للأولاد في الراديو، عشان كده كانت بتدخل قلبهم بسرعة". "أنا عايزة حاجة تبقى كأني بنده على الولاد وهما يجوني"، كان ذلك ما طلبته الإعلامية فضيلة توفيق من المؤلف نادر أبوالفتوح، الذي اختارته لتنفيذ فكرتها التي تتمثل في حكي حواديت للأطفال عن طريق "الراديو"، يقدح المؤلف زناد فكره، فتكون النتيجة "يا ولاد يا ولاد.. تعالو معانا.. علشان نسمع أبلة فضيلة وهاتحكيلنا حكاية جميلة". الكبار عند "أبلة فضيلة" لا يزالوا أطفالا، لم تختلف طريقة تعاملها معهم عن تلك التي تستخدمها مع الأطفال في حكاياتها، "لما مسكت رئاسة البرنامج العام، الوزير بلغني إنه شاف 2 موظفين عندي بيشتموا بعض جامد وطلب مني أعاقبهم، جبتهم وقلت لهم مش عيب، إنتم رجالة كبار متعملوش كده، وطلبت منهم يبوسوا راس بعض، ومرضيتش أعرف سبب الخناقة، ومعاقبتهمش عشان صالحوا بعض". "التسامح".. كانت هي السمة التي طغت على حديث الإعلامية فضيلة توفيق عن والدتها، علمتها كيف تحب كل الناس وتسامح حتى من يأذونها، "أمي كانت بتجمع كل أطفال العمارة حواليها وإحنا صغيرين، وكلهم كانوا بيحبوها، وعمري ما أنسى لما كبرت وجيت لقيتها جامعة كل البنات الفقرا اللي حوالينا وعاملة عزومة كبيرة عشانهم". رغبتها في احتفاظ الأطفال بصورتها، ما دفعها للتمسك بأثير الإذاعة وعدم الانتقال للتليفزيون، "الأطفال لو شافوا شكلي ممكن يكونوا متخيلين إني شكلي حاجة وأطلع حاجة تانية، وانا عايزة أنمي روح الخيال عندهم، عشان كده فضلت أخاطبهم عن طريق الراديو". تغيرت الكثير من اهتمامات الأطفال وسلوكياتهم، أرجعته "أبلة فضيلة" لغياب أبسط المبادئ والقيم عن عالمهم، "زمان كان الأطفال سعدا ومبسوطين لأنهم عايشين سنهم، لا في حروب ولا قتل ولا دمار، وكان في ناس بتقولهم ما ترموش حاجة في الأرض، متتكلموش على حد غير بالحلو، الراديو بالنسبة لهم كان الدنيا وما فيها، لكن التكنولوجيا بتاعت دلوقتي كبرت الأطفال 20 سنة زيادة، وبقوا كأنهم رجالة مسخوطين". ذاكرتها التي لم تسعفها أحيانا حضرت حين انتقل الحديث عن "الزعيم"، تمتد يدها لتصافح يده مع نظرة عابرة لعينيه الواسعتين فشل الدهر في محوها، "كان الرئيس عبدالناصر بيكرم الإعلاميين في عيدهم، ولما بصيت في عينه حسيت بهيبة عمري ما شفتها في حد تاني". ذكرياتهما معا بدأت عن طريق الصدفة، عشقتها أذنها قبل أن تراها العين، أقنعتها الإعلامية فضيلة توفيق بإذاعة حفلاتها على الهواء إمعانا في إسعاد جمهورها، "أول مرة اشوف فيها أم كلثوم في مبنى التليفزيون، لقيتني بقولها أنا بحبك من غير ما أعرفك، أصل انا بحب أم كلثوم مش بحبك انتي، ضحكت أوي وبدأت صداقة بيني وبينها، وبقت كل ما تيجي الإذاعة تسأل هي فين البت بتاعت العيال؟". البهجة المعتادة تختفي، صوتها يختنق بالبكاء عند حضور سيرته، كان يملأ الدنيا من حولها مرحا، يكاد يقطف السماء قطفا لإسعادها، ذكرياتها الجميلة كان هو فارسه، "زوجي كان كبير المهندسين في الإذاعة، وكانت كل الناس بتخاف منه وتهابه، ولكن معايا أنا كان أبويا وصاحبي وكل حاجة ليا، ولما توفي كنت مقررة إني اوقف كل حاجة، لكن قررت أكمل شغلي في الإذاعة لحد دلوقتي عشان هو ميزعلش، وعشان كده عيد ميلادي بقى ذكرى مؤلمة بفتكر فيها كل اللي كان بيعمله، ومن قبله إخواتي اللي كانوا بيتلموا معايا في اليوم ده، وبنتي الوحيدة هاجرت كندا وبقيت عايشة لوحدي، مفيش غير أختي محسنة هي اللي بتحتفل معاية بعيد ميلادي". "عيد الأم".. مناسبة لا تحبذها تلك السيدة، التي صارت عبر حواديتها أما لجيلٍ بأكمله، "لما اتعملت مناسبة عيد الأم كتبت في الجرايد إني مش حباها، عشان قابلت ولاد كتير المناسبة دي كانت بتمثل لهم ألم شديد عشان معندهمش أم". فرحة السيدة الثمانينية تتجسد لحظة زيارتها لأي مدرسة قريبة، تجد الأطفال يهرولون نحوها وتتعالى أصواتهم، "يا ولاد يا ولاد.. تعالوا معانا"، فتشعر فقط عند هذه اللحظة إن كل ما قدمته "مكانش في الهوا". "انا بحب السيسي جدا".. رد تلقائي خرج من فمها بعد سؤالها عما تشهده البلاد من أحداث، رأت فيه نموذجا قادرا على قيادة البلاد إلى بر الأمان، "أنا بزعل أوي من الناس اللي مش عايزينه ينجح، ده راجل وطني ومن كلامه باين إنه بيحب البلد ده بس الناس تديله فرصة"، لم تمنع نفسها من كراهية هؤلاء الذين وصفتهم بحارقي البلاد ومخربيها، "دول اتشال من قلوبهم كل ذرة رحمة، وأنا مش عارفة مين يجيله قلب يعمل في بلده كده وازاي تهون عليه كده". الإعلامية فضيلة توفيق قررت أن تختتم حديثها بكلمة لهؤلاء الأطفال، التي اعتبرتهم "عيالها اللي كبروا"، أوصتهم ببلادهم فقالت: "حبايبي الحلوين، ولاد مصر الطيبين الأمرا، حبوا مصر أوي، مصر مستنياكم، مصر أمنا كلنا، ومفيش بلد اتذكرت في القرآن أد بلدنا، حبوها وخافو عليها، وتوتة توتة فرغت الحدوتة، حلوة ولا ملتوتة؟".