للقانون سيادة نفتقدها منذ سنوات مع تعدد أيادى الفساد والفشل. وقديماً قالوا «مَن أمن العقاب أساء الأدب»، لذا أساء كثيرون الأدب وحولوا مؤسساتنا لأشباه مؤسسات، فلا المستشفى ظل مقراً للعلاج ولا المدرسة استمرت دار تربية وتعليم، ولا الشارع احتفظ بضوابطه، ولا المسئول عاد يخشى العقاب ولا الفضيحة. فباتت المخالفة -أياً كان مصدرها ونوعها- «سبهللة»، لها طعم التشويق والإثارة. وتعددت مسميات السرقة والرشوة والتراخى والإهمال، فباتت السرقة والرشوة شطارة لمواجهة الأعباء. وأصبح التراخى والإهمال قضاءً وقدراً مرهوناً بعبارة «على قد فلوسهم». وقد فرحت حينما أعلن رئيس الوزراء فى ديسمبر الماضى استراتيجية مكافحة الفساد 2014-2018، وسعدت وأنا أتابع مضمونها للارتقاء بمستوى الأداء الإدارى والحفاظ على المال العام. وركز كده معايا فى الجملة دى «التأكيد على النزاهة والشفافية والمساءلة كأولوية للدولة فى كل المجالات». المساءلة!! هاه. وكيف تهدف الاستراتيجية لتقويم سلوك الأفراد ومحاصرة مظاهر الفساد؟ هو ده... أيوه كده، لتحقيق التنمية المستدامة. وهنا مربط الفرس يا سادة ونحن على أعتاب بناء وتحديث وتطوير وقبل كل ذلك تقديم مصر لخريطة الاستثمار العالمى. وما زال ترتيبنا فى تقارير الشفافية وعالم الفساد يكسف. وانتظرت بعد أن عشّمنى رئيس الوزراء بسيطرة القانون، لكن لا شىء؛ فالحال هو الحال: «قضية رشوة هنا أو محاكمة متهم هناك»!! وكأن وفاة مريض أو علاجه بشكل خاطئ ليس بفساد! وكأن الحصول على رواتب من دون وجه حق ليس بفساد! وكأن تعطيل إجراءات مواطن فى أى مصلحة ليس بفساد! وكأن تخريب الإخوان لمصالح الدولة فى الكهرباء والمياه والصحة ليس بفساد! وكأن إهدار المال العام ليس بفساد! وكأن تصريحات الوزراء عن الكوارث التى نتعرض لها ليس بفساد! وتساءلت أين المحاسبة والمحاصرة والمساءلة والنزاهة والشفافية التى تحدث عنها معالى رئيس الوزراء يوم إطلاق الاستراتيجية؟ ورغم ذلك تمسكت بتلابيب الأمل الساكنة فى أعماق ذاتى بمنطق «بكرة أحلى، والصبر جميل، والحمل تقيل». لكن فاجأتنى تصريحات رئيس الوزراء فى حواره مع قناة «سكاى نيوز» منذ يومين مطالباً بتكاتف المصريين لمواجهة الفساد الموروث منذ سنوات طويلة، وأتبع حديثه بحديث عن تشكيله لجنة عليا لمكافحة الفساد تشترك فيها كل الأجهزة الرقابية برئاسة رئيس الوزراء!! يا نهار فوحلوقى! وأين الاستراتيجية التى صورتها القنوات والشاشات وسأل فيها الصحفيون والصحفيات؟ ثم ما هى الطريقة التى تريد يا معالى رئيس الوزراء التكاتف بها لمواجهة الفساد؟ هل يعنى هذا أن أمسك بخرزانة فى يدى أضرب بها كل من تجرأ على حقوق الخالق والمخلوق؟ أم نترك أعمالنا لنتابع السير البطال للفاسدين؟! الأهم من ذلك هل يعقل معالى رئيس الوزراء أن تترأس كافة ما ينبثق عن المجلس من لجان؟! يا سيدى لقد عجز عقلى عن عدّ ما تترأسه من لجان كثرت وانتشرت وماتت قبل أن تولد. لا أعرف لماذا تتوه الأمور فى قضية مصير كمواجهة الفساد، لكن ما أعلمه أن ضرب الفاسد بيد من حديد وبشكل فورى حاسم ومعلن، سيخيف فاسدين يختبئون فى الجحور ويمارسون فسادهم بكل ما أوتوا من فُجر، دون الحاجة لاستراتيجية ولجنة معالى رئيس الوزارة. رئيس الوزراء.. من فضلك حاسب فوراً كل فاسد، وسوف ترى النتيجة.