بحلته العسكرية، ممسكاً بنظارة معظمة تليق بقائد حربي، وسبابته تشير إلى ميدان التحرير، كما لو كان قائدًا يوجِّه جنوده على الجبهة، من مسكنه بالميدان الذي يحمل اسمه يخلد ذكراه، يرتفع تمثال الفريق أول عبدالمنعم رياض، قائد أركان الجيش المصري الذي سقط وسط جنوده على جبهة القتال مع العدو الإسرائيلي خلال حرب الاستنزاف عام 1969م. كان المشهد على جبهة القتال في 8 مارس قبل 46 عامًا، غير عادي، قائد أركان الجيش المصري قرر أن يتفقد قواته على جبهة القتال، ومن أقرب نقطة لمرمى نيران العدو، وليس خلف مكتبه الأنيق بوزارة الدفاع، وقف القائد وسط جنوده في إباء، بنظارته السوداء، والبدلة المموهة، قبع خلف ساتر رملي يشاهد ما تكبده العدو من خسائر على طول خط بارليف من داخل الدِشمة 6 على الجبهة التي لا تبعد عن مرمى نيران الجيش الإسرائيلي سوى 250 مترًا، ليشاهد ما جناه جنوده البواسل ضمن الخطة التي وضعها بنفسه لتدمير خط بارليف. لم تمر سوى دقائق على الرجل الذي قرر أن يشارك جنوده خطورة المواجهة، حتى أطلق العدو الإسرائيلي دفعة من النيران نحو ذلك المكان الذي أذاقهم مرارة الهزيمة قبلها بيوم واحد، ليدخل الرجل وجنود في معركة استمرت لساعة ونص، معركة قادها بنفسه من داخل الخندق على الجبهة، وليس من مقعده الوثير داخل مكتبه أو من قاعة الاجتماعات الفخمة شأنه شأن معظم القادة العسكريين، ولكنها كانت معركته الأخيرة، حيث لقي ربه شهيدًا وسط جنوده، متأثرًا بشظايا طلقة مدفعية أصابت أحد المواقع بالقرب من موقعه. لو يُقَتلون مثلما قتلت لو يعرفون أن يموتوا.. مثلما فعلت لو أنهم من خلف طاولاتهم قد خرجوا.. كما خرجت أنت.. "نزار قباني في رثاء القائد عبدالمنعم رياض" وارى الرجل الثرى بعد 32 عامًا قضاها بالعسكرية المصرية، منذ أن التحق بالجيش المصري في السابعة عشرة من عمره برفقة أنور السادات، وحسين الشافعي ومحمد صادق ويوسف السباعي، ولحق بهم جمال عبدالناصر في الدفعة التالية، اختار رياض الالتحاق بسلاح المدفعية بعد تخرجه في الكلية الحربية عام 1938، ليعمل على أحد البطاريات المضادة للطائرات في المنطقة الغربية لمصر، وهي الجبهة التي دارت عليها أشهر معارك الحرب العالمية الثانية بين دول المحور والحلفاء في منطقة العلمين، ومن بعدها بعام عمل في إدارة العمليات والخطط في حرب فلسطين، واستمر في التدرج بالمناصب بسلاح المدفعية حتى عُيِّن رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة ليعيد بناء الجيش بعد الهزيمة في حرب يونيو 1967، ولكن لم يمهله القدر حيث سقط شهيد وسط جنود على جبهة القتال.