الأمر الذى أتناوله هنا لا علاقة له بصحة الحكم من عدمه، ولكنه بكل تأكيد له فى تصورى علاقة بالأمن القومى المصرى، واستراتيجيات هذا الأمن المهم فى مصر والأمة اليوم أكثر من أى يوم مضى، وذلك لواقع العالم العربى اليوم، فى سوريا وفى العراق وفى ليبيا وفى اليمن وفى الصومال، فضلاً عن تشتت العالم العربى، وقبول بعض دوله بالهيمنة الأمريكية والقواعد العسكرية الغربية، والعمل كذلك فى إطار المخططات الغربية فى غير صالح الأمة، وما تتعرض له مصر العزيزة اليوم من بعض تلك الدول والجماعات والمنظمات أمر محزن ودليل على الجهل أو سوء قراءة الواقع أو ضعف النظر فى المستقبل، الأمر أيضاً له علاقة بالعمق الاستراتيجى لمصر، الأمور التى أتناولها هنا قد لا تكون فى مخيلة القاضى عند إصدار الحكم، وهنا قد يصدر الحكم صحيحاً حسب الأدلة المقدمة ولكنه غير صحيح فى ضوء المصلحة العامة للوطن ولا الأمة ولا الأخطار المستقبلية، تلك الواقعة أو المتوقعة. أنا هنا أيضاً لا أدافع عن حماس أو الجهاد الإسلامى أو المقاومة الفلسطينية على اختلاف أطيافها وإن كان ذلك من الواجب على الجميع، تلك المقاومة كانت ضرورة خصوصاً فى ضوء مؤتمرات مدريد وأوسلو ووادى عربة وشرم الشيخ وغيرها من المؤتمرات والمؤامرات، لذلك أقول إن المقاومة الفلسطينية لا تحتاج إلى من يدافع عنها لأنها تدافع عنا جميعاً، وقد أدرك الرئيس المصرى ناصر ذلك فوقف وراء فلسطين أياً من كان يمثلها ويقاوم الاحتلال الصهيونى الإرهابى، وجمع بذلك عبدالناصر الشعوب العربية فى معظمها مع قضية فلسطين، مثلها الشقيرى أو عرفات أو عباس أو غيرهم، الشعوب العربية والإسلامية تحب فلسطين وتكره الصهيونية وإسرائيل، وتحب من يدافع عن المقدسات سواء كان مسلماً أو غير مسلم، ليبرالياً أو إسلامياً، والصديق العزيز القس عطا الله حنا دليل واضح على ما أقوله. تعليقى هنا عن غزة والمناطق الفلسطينية التى تقف ضد الاحتلال، ولا تهرب تحت أى ضغوط، وتتحمل الأهوال حتى تبقى فى بلادها إلى أن يأتى فرج الله تعالى ويزول هذا الاحتلال، أسوأ احتلال شهدته البشرية فى العصر الحاضر، المقاومة كلها لها أهداف ولها حسناتها ولها بعض السلبيات كذلك، أخطاء المقاومة تحتاج إلى إصلاح مع الدعم، طرق الإصلاح والدعم كثيرة، ليست طبعاً باعتبارها إرهابية، ضرورة المقاومة الفلسطينية لمصر ودوّل الجوار جميعاً لا تخفى على أى عاقل، خصوصاً فى سورياولبنان والأردن والسعودية والمقدسات، ليس هناك بلد مجاور لفلسطين إلا وتعرض لانتهاكات صهيونية، ويهودية إسرائيل تعنى التخلص من العرب فيها من غير اليهود، أين يذهبون؟ لا بد من مكان لهم إما سيناء، وإما الاْردن، وإما لبنان وإما سوريا وإما المقابر الجماعية، هذا حسب المخططات الغربية الصهيونية، فأين نحن من ذلك؟ وأين نحن من مخططات إضعاف كل الدول العربية عن طرق شتى أصبحت غير خافية إلا على الجهلاء؟ أملى والواجب فى ظنى أن تدرس القيادة السياسية فى مصر خصوصاً هذا الأمر لأهميته، وحتى لا تخسر الأمة المقاومة الفلسطينية بشتى الفصائل، وفى الوقت نفسه نحاسب كل من تسول له نفسه الشريرة العدوان على مصر، ونحن نفهم قوله تعالى «إنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً»، ولا علاقة لهذا بالتطرف أو الإرهاب أو الجماعات الإسلامية، هذا نص قرآنى عظيم، وندرك كذلك أنه لا عدوان إلا على الظالمين، نحن علينا فى كل توجهاتنا وأفعالنا وأقوالنا وأحكامنا ألا نعطى المحتلين أو أصحاب الهيمنة فرصة يستفيدون منها، وكفى وجودهم فى القواعد العسكرية فى بعض بلادنا بفعل فتوى الاستعانة ضد صدام حسين وتحرير الكويت، تحرير الكويت كان واجباً، ولكن الاستعانة كانت ولا تزال نوعاً من الاحتلال والاستعمار، حتى لو كانت الفتوى صحيحة، فإنها كانت كارثة، كان البحث عن حلول أخرى ضرورة أما الاستسهال وإرضاء الدول أو الحكام بسخط الله تعالى فهذا من مداخل الشيطان والنار، كانت فيتنام درساً للجميع فمن ذَا الذى يتعلم من الدروس؟ وموقف فنزويلا اليوم تجاه أمريكا وهيمنتها درس آخر وتوجه الزعيم السيسى إلى الشرق درس آخر، هل نخطئ مرة أخرى فى النظرة إلى المستقبل؟ وهل نخطئ مرة أخرى فى الفتوى أم نتعلم من الكارثة الأولى؟ وكذلك بعض الأحكام القضائية، لا تظهر خطورتها إلا بعد حين، الجهة صاحبة أكبر استفادة من الأخطاء هى إسرائيل، كما كانت أمريكا أكبر مستفيد من الجهاد الأفغانى، ولم يكن المجاهدون يصدقون ذلك وقتها، بل وصفونا بأننا ضد الجهاد عندما قلنا لهم ذلك فى وقتها، أعرف أن هناك من سيقول ويقول عن الهلباوى بسبب هذا المقال، ولكننى أقول ذلك ابتغاء وجه الله تعالى وابتغاء مصلحة مصر والأمة العربية والإسلامية، رحم الله تعالى ناصر، ورحم الله تعالى اتفاقية الدفاع المشترك وأخواتها حتى تعود مرة أخرى، ووفق الله تعالى السيسى وبقية الحكام إلى جمع الأمة بدلاً من تشرذمها، وإلى دعم المقاومة ضد الاحتلال الصهيونى، وهذا شرف كبير لن يناله إلا المخلصون، والله الموفق.