فى عطلة الأسبوع الماضى ذهبت لصلاة الجمعة، ولكنى فوجئت بإمام المسجد، الذى لم يتجاوز الخمسة والعشرين عاماً، والذى بدأ خطبته بالبداية التقليدية حتى بدأت أشعر بالنعاس وكدت أستغرق فى النوم تماماً، ولكن فجأة وجدت نفسى منتبهاً تماماً بعد أن وجدت الشيخ الذى يعتلى المنبر وهو ممسك بيده ورقة «فلوسكاب» يقرأ منها خطبته يصرخ بأعلى صوته وينطق باسم الصديق العزيز «إسلام بحيرى»، فانتبهت أكثر: ما الذى أتى باسم «إسلام» فى ورقة الشيخ وخطبته؟ «فبالتأكيد إسلام غير مقرر ضمن كتب الأزهر التى درسها الشيخ»، وبدأ الشيخ يشرح أشياء كثيرة قائلاً بالنص: (إسلام بحيرى يطالب بتجديد الخطاب الدينى فماذا يفهم هو فى الخطاب الدينى، إنه لا يستحق اسمه، فمن لقبه بهذا الاسم لم يكن يعلم أنه سيكبر ويخرف، فكان يجب أن يلقبه «إجرام بحيرى»، لعنة الله على ذلك الزنديق الذى يطل علينا من قناة «القاهرة والناس» الفضائية التى كان يجب أن يكون اسمها «العاهرة والناس»). أصابنى الذهول من خطاب الشيخ فكيف يمكن أن يتفوه بمثل هذه العبارات والإهانات غير اللائقة من فوق منبر كان لا بد أن يظل بعيداً عن تلك الصراعات، وأن ينأى به الشيخ عن تلك البذاءات، وأكمل الشيخ خطابه الحنجورى الذى انتبه إليه حشود المصلين الموجودين بالمسجد من شباب وكهول: (إن إجرام بحيرى حصل على رسالة الدكتوراه من جامعة كامبريدج الموجودة فى بلاد الصليبيين الكفرة، وهو يرأس مركز دراسات جريدة «اليوم السابع» التى يمتلكها رجل الأعمال النصرانى نجيب ساويرس، الذى سبق وسخر من الإسلام ورموزه، وهذا المجرم يطعن فى صحيح البخارى، الذى هو أصح كتاب بعد كتاب الله، ويقول بأن البخارى ملىء بالخرافات والعفن الفكرى)، وبدأ الشيخ يشرح من هو البخارى ومسلم وما هى كتبهما التى تركاها، ولماذا يجب أن نتمسك بها، وإن كان «إسلام» أخطأ فلم يطلب الشيخ له الهداية، ولكن وعلى حد تعبير الشيخ «بعد خطئه فى حق الإمامين لا بد أن تحل عليه لعنة الله ولعنتنا». بدأت أنزعج جداً من هذا الحديث الذى وجدت والدى البسيط منجذباً له بحماس كباقى المصلين «البسطاء»، فهمست فى إذنه محاولاً أن أشير له بأن معظم المعلومات التى قالها ذلك الرجل الذى يلقبونه بالشيخ عن إسلام بحيرى وعن نجيب ساويرس غير صحيحة، فرد والدى وأنت تعرفهما؟ فقلت له يا والدى «إسلام» الذى يسميه شيخكم «إجرام» زميل مهنة وصديق شخصى وعلى قدر عالٍ من الثقافة، وما يدعو له يجب جميعاً أن نسانده فيه، ونجيب ساويرس صديق عزيز وهو رأسمالى مصرى «صعيدى» وطنى حتى النخاع، وأيضاً يقدم مصلحة الوطن على أى مصلحة أخرى. ولكنى فجأة وجدت نبرة صوت الشيخ تعلو أكثر وهو يقول: «هؤلاء هم من يريدون أن يبعدوكم عن دينكم وتراثكم الإسلامى، إجرام بحيرى الذى يحرضه النصرانى نجيب ساويرس»، حاولت أن أحتج على حديث الشيخ ولكن والدى أمسك بيدى وهمس إلىّ ألا أتحرك فلا يجوز مقاطعة الخطيب أثناء الخطبة، فقلت له: حتى لو أخطأ؟ فقال الشيخ لا يخطئ فهو أعلم منك بصديقك هذا، ثم أشار قائلاً: «أحسن اختيار أصدقائك». خلاصة القول: فى ظل الإرهاب الذى يحيط بنا فى الداخل والخارج من الإخوان والدواعش يجب أن نعمل حقيقة على تجديد الخطاب الدينى لا بالشكليات التى نفذتها وزارة الأوقاف بتعيين أئمة من الشباب أمثال الشيخ سابق الذكر ظناً من الوزارة أن هذا هو تجديد الخطاب الدينى فى ظل أن ذلك التجديد لن يحدث إلا بعد أن يؤمن شيخ الأزهر وأئمته بأن التراث الذى بين أياديهم يجب أن يتم تنقيحه ويجب أن يدرس بمفهومه الجديد لأئمة المساجد القدامى والشباب حتى لا يتحولوا إلى عمائم ناسفة تنفجر فى وجوهنا جميعاً.